يحاول اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على وجه التحديد مواجهة المخاطر التي تهددهم، إذ طالما باتوا يتحسسون تلك المخاطر، خاصة بعد أن طرحت الإدارة الأمريكية برئاسة ترمب مطلع عام 2017م خطة للتسوية، وهي في الحقيقة خطة لتصفية القضية الفلسطينية عرفت فيما بعد بصفقة القرن.
فقضية اللاجئين الفلسطينيين بحسب الرؤية الأمريكية عقبة حقيقية أمام أي "تسوية سياسية" مستقبلية، وبذلك اتخذت إدارة ترمب خطوات تنفيذية خطيرة تمس بجوهر القضية الفلسطينية، بعد أن حسمت ملف القدس عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الصهيونية.
ومنذ أكثر من سنتين تحاول الإدارة الأمريكية الضغط على الدول المضيفة -وخصوصًا لبنان- لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم، وقد صرح أكثر من مصدر لبناني رسمي ومسؤول أن الخطة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تقتضي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
وفي تسريبة إعلامية منذ أشهر، التقى العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، على هامش قمة دافوس في سويسرا مطلع عام 2018م، هامسًا له أن الخطة الأمريكية المعروفة بصفقة القرن تتطلب من لبنان قبول توطين اللاجئين الفلسطينيين، ولذلك دعا الملك الأردني الحريري إلى الاستعداد لقبول الأمر الواقع وإيجاد حلول «واقعية» لأزمة اللجوء، لأن أزمة اللجوء الفلسطيني ستطول، ولن يتمكن لبنان من تجاوزها على المدى الطويل، مشيرًا إلى أن الأردن يمضي في هذا الاتجاه.
ولا يمكن التغافل عن الخطوة الأمريكية وقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، البالغ نحو 350 مليون دولار سنويًّا، المراقبون لهذه الخطوة يؤكدون أنها تأتي في سياق الخطة الأمريكية لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتوطينهم في أماكن وجودهم.
مصادر غربية أبلغت لبنان أن امتيازات اقتصادية، وتسديد ديون الدولة اللبنانية البالغة ما يقارب مائة مليار دولار، والسماح لها بالتنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط؛ ستكون مقابل توطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها.
وكانت تقارير صحافية لبنانية أخرى قد ذكرت أخيرًا أن لبنان الذي يرزح تحت عبء ديون خارجية تناهز 100 مليار دولار لم يعد قادرًا على مقاومة الضغوط الدولية، التي تطالب بيروت بتوطين الفلسطينيين، وكشفت أن هناك تيارًا يدفع باتجاه التوسع في الإنفاق على البنى التحتية معوّلًا على تعويضات مالية دولية ضخمة مقابل قبول لبنان توطين الفلسطينيين، وأن الأمر قد تكون له صلة بصفقة القرن الأميركية التي تقوم على توطين الفلسطينيين في دول اللجوء.
ولا تنفي مصادر سياسية لبنانية وجود نقاش لبناني في هذا الصدد، لكنها تؤكد أن البحث لم يصل إلى استخدام كلمة توطين، ولفتت إلى أن انتهاء الحكومة اللبنانية منذ أقل من عامين من عملية إحصاء للفلسطينيين في لبنان بتمويل ورعاية من الأمم المتحدة، شكل مفاجأة للرأي العام، وأثار تساؤلات عن الحيثيات التي تقف وراء ذلك.
بالمقابل إن الزيارات الغربية والأمريكية والبريطانية على وجه التحديد، السياسية والعسكرية، واللقاءات المكوكية بالرؤساء الثلاثة، والأحزاب اللبنانية؛ تؤكد أن موضوع التوطين بات على الطاولة، ولم يعد الحديث عن العموميات، بل تخطى النقاش فيها العموميات ليصبح نقاشًا تفصيليًّا آنيًّا، والطرح الذي يطرح اليوم يتحدث عن توطين نحو مئة ألف فلسطيني في لبنان، وإعادة جزء بسيط إلى منطقة غزّة، وقسم آخر إلى الدول العربية، وقسم ثالث إلى بعض الدول الغربية، وموافقة لبنان على التوطين يقابلها إنهاء خطر انهياره الاقتصادي، وحل جزء من الأزمة المالية.
ولكن على المقلب الآخر من المشهد، وبحسب ما يرى مراقبون إن مواجهة مسار التوطين لبنانيًّا التي باتت كابوسًا سياسيًّا لدى الساسة في لبنان تكون بإيجاد بيئة طاردة تسرّع عملية تهجير أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى دول المنفى، هذه البيئة الطاردة تمثلت في حرمان الفلسطيني بلبنان سلسلة واسعة من الحقوق المدنية والاجتماعية، وحرمانه أبسط الحقوق للعيش بكرامة إلى حين تحقيق العودة إلى فلسطين، وتوجت هذه الممارسات العنصرية بفرض إجراءات جديدة على العامل الفلسطيني بتحصيل إجازة عمل تساويًا مع أي أجنبي يعمل في لبنان.
المفاجئ أن هناك تسريبات تحدث عنها أكثر من مصدر رسمي فلسطيني تكشف أن هناك دولًا غربية عديدة مستعدة لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، وتناول المصدر قوله: إن كندا وحدها مستعدة لاستقبال مئة ألف لاجئ فلسطيني، وأسبانيا قرابة ستة آلاف لاجئ، وأستراليا قرابة عشرين ألف.
مع هذه الموجة الكبيرة من المخاطر والتحديات التي عصفت وتصاعدت بشكل غير مسبوق، يقف الفلسطيني في لبنان أمام مصير مجهول، محفوف بالمخاطر التي قد تودي بمستقبله السياسي والوجودي، ما يتطلب من الجميع دون استثناء فصائل فلسطينية ومؤسسات مجتمعية ولجان شعبية وإعلاميين ومثقفين وضع خطة إستراتيجية طارئة، يكون على سلم أولوياتها الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل إقرار الحقوق المدنية والاجتماعية، والسماح للفلسطيني في لبنان بالتملك، والعمل بحرية، والتخفيف من الضغوط عليه لناحية السماح للفلسطينيين بإدخال مواد البناء إلى المخيمات.
ختامًا إن الشعب الفلسطيني أطيافه السياسية والشعبية كافة سيرفض كل ما من شأنه المساس بحق العودة، ولن يتنازل عن هويته وصفته السياسية، وسيبقى صامدًا رغم حجم التحديات والمخاطر التي تحيكها الولايات المتحدة ومن خلفها الكيان الصهيوني الغاصب، وما النصر إلا صبر ساعة.