تتجه المرابطة المقدسية هنادي حلواني صوب جندي إسرائيلي يقف عند مدخل "باب الرحمة" الملاصق للمسجد الأقصى، لتقدم له بطاقتها الشخصية في كل مرة تدخل بها المسجد، لكن هذه المرة فوجئت بحديث الجندي لها: "الضابط بده إياكي.. عندك تحقيق يوم الأحد"، الأمر الذي جعلها تتوقع أن يكون هناك قرار إبعاد جديد رغم أنها لم تكد تنتهي من إبعادها الأخير عن المسجد الذي استمر عامًا كاملًا وانتهى في 23 آب أغسطس/ الماضي.
الثامنة مساءً، ذهبت حلواني لمركز التحقيق التابع لشرطة الاحتلال بالقدس، أدخلت إلى قسم التحقيق، ولم يكن بانتظارها ضابط عادي، بل مسؤول مخابرات الاحتلال بالمركز، وكذلك مسؤول التحقيقات في القدس المحتلة ويدعى "يورم" كما عرف عن نفسه.
حوار داخل غرفة التحقيقات
ما دار بتلك الغرفة المغلقة، تفصح حلواني عنه لصحيفة "فلسطين" عبر حديثها الهاتفي، فتقول: بدأ "يورم" يتحدث قائلًا: لن أحقق معك هذه المرة؛ لكن سأقول عدة أمور، وأنت حرة...، أتبع كلامه: "سيرتك الذاتية معروفة لنا، فلا داعي أن تعودي إلى المرابطات، والتظاهرات، ومصاطب العلم".
استمر تهديد الضابط المسؤول: "كما استطعنا منعك سنين عديدة بأيدينا نستطيع منعك أو السماح لك بدخول الأقصى. وهذه نصيحة ببلاش أو تهديد أخير". كانت حلواني تستمع إلى حديث الضابط وهي تعود بذاكرتها للحظة اقتحام بيتها من قبل قوات الاحتلال قبل ستة أشهر من تسليمها قرار تجديد منع دخول الأقصى، حينها قال لها الضابط: "أنت المرأة الأخطر بالأقصى، لهذا نستدعي قوات كبيرة عندما نعتقلك".
وتضيف حلواني: "اتضح لي أن شرطة الاحتلال تراقب كل شيء يتعلق بي من كثب، فهم يراقبون ما أنشره على صفحة على فيس بوك، حتى أنهم أخبروني، إنهم يتابعونني بدقة".
استهداف المرأة
لماذا يستهدف الاحتلال المرأة المقدسية؟ تجيب حلواني: "الاحتلال يكيل بنفس الميكال بين المرأة والرجل، رأينا المرأة المقدسية كيف أُعدمت على حاجز قلنديا، فضلًا عن الإبعادات التي طالت المقدسيات كمدلين عيسى وشفا أبو غالية، والحاجة نفيسة خويص التي جرى ضربها وأعطوها قرار منع بدخول الأقصى رغم أنها امرأة مسنة".
من وجهة نظر المرابطة المقدسية، يبدو واضحًا أن الاحتلال يريد تفريغ الأقصى من المرابطات والمرأة المقدسية بشكل عام، لأن المرأة المقدسية أحدثت شيئا لم يكن يتوقعه الاحتلال، بعد أن فضحت الاعتداءات التي تمت أعوام (2015-2016) على المسجد الأقصى وكشفت مخططات الاحتلال وخاصة بمنطقة "باب الرحمة".
خلال فترة شهر بعد انتهاء قرار منعها من دخول الأقصى، لم يمر هذا الشهر طبيعيًّا، فحلواني التي تزور الأقصى نحو ثلاث مرات يوميًّا، تتعرض لتفتيش كامل من هوية ووثائق وهاتف وحقيبة.
وقالت: "هم لا يكتفون بذلك فبمجرد وصولي وانتهاء الاجراءات السابقة، يلتقطون صورًا لي ويرسلونها للضابط المسؤول لإشعاره بوصولي، وأظل تحت مراقبتهم طوال وجودي بالمسجد الأقصى رغم أنني لا أقوم سوى بقراءة القرآن".
حياة وعلم
لكن هذه المرابطة المقدسية التي صدح صوتها مرارًا وتكرارًا لأجل الأقصى، مرت بموقفين أخرجاها عن صمتها، الأول حينما تبول أحد جنود الاحتلال بساحات المسجد الأقصى، تعود بحديثه لتفاصيله: "خرجت له وحدثت مشادة كلامية بيني وبينه، وأنه ممنوع عليه القيام بذلك، فهرب بعد أن تجمع وتجمهر المقدسيون"، وفي اليوم التالي، وجدت حلواني شرطيًّا يقوم بتدخين السجائر بنفس المكان، فأيقنت أن هذه الأفعال مقصودة بهدف دفع المقدسيين للاشتباك مع شرطة الاحتلال لخلق مبرر لإغلاق المنطقة الشرقية.
خلال فترة الشهر، عادت الحياة التي لم تتوقف أصلًا إلى حلقات التعليم، واستمرت حلواني في تدريب الطالبات على دورات التلاوة والتجويد، ونشر ثقافة ووعي لدى الناس من خلال البث المباشر على صفحتها على "فيس بوك"، لكن حتى إدارة موقع التواصل قامت بحظرها لمدة شهر عن البث المباشر، وكذلك عندما قامت ببث مباشر لصالح صفحة أخرى منعها الموقع، وكأن هناك انحيازًا من الموقع لصالح الاحتلال.
لماذا كل هذا الاستهداف لحلواني وغيرها من المرابطات؟ لا تخفي المرابطة المقدسية في ردها، أن الاحتلال يعلم أن لي بصمة وحجر أساس بمشروع مصاطب العلم والمرابطات، فكنت أول من بدأ الاحتلال بملاحقتهن دونًا عن باقي المرابطات، وهو يخشى أن أكون أريد التخطيط لشيء جديد داخل الأقصى لذلك يسمونني أفراد شرطة الاحتلال بـ"المرأة الأخطر".
حصلت حلواني على أول قرار إبعاد عام 2012، وتوالت القرارات بعد ذلك بالإبعاد لمدة ستة أشهر أو تجديدها إلى سنة كاملة كما حصل العام الماضي، فهي خلال أربع سنوات لم تدخل الأقصى إلا أيامًا معدودات كانت فاصلة بين انتهاء مدة المنع وتسلم قرار جديد، لكنها بقيت على أعتاب أبواب الأقصى يشدها الحنين إلى ساحتها تصل بصوتها ورسالته إلى الداخل، لتساند المقدسيين في كل شيء.