للمرة الثانية خلال عام يتوجه الناخبون في (إسرائيل) إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم في الكنيست؛ إلا أن المعركة الانتخابية الحالية تختلف عن سابقاتها فهي أشد حدة وتنافسا بين الأحزاب السياسية؛ كما تتميز بتمحورها حول نتنياهو ومستقبله السياسي، لاسيما أنها تتزامن مع اقتراب الموعد الذي حدده المستشار القانوني للحكومة للاستماع لأقواله في قضايا الفساد الموجهة ضده أمام لجنة قانونية خاصة قبل إصدار قراره النهائي, فإما أن يفوز فيها ويتمكن من تشكيل حكومة تُقدم له طوق النجاة وتساعده على تمرير قانون الحصانة الذي يمنع تقديمه للمحاكمة طيلة مدة ولايته رئيسًا للحكومة, وإما أن يخسرها ويضطر إلى الخضوع لتحقيقات متتالية في قسم محاربة الفساد، وما قد يترتب عليه من تقديم لائحة اتهام توصله للسجن بتهم تلقي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، مع توافر أدلة دامغة ضده, هذه الحقيقة يدركها نتنياهو جيدًا، ويعد فوزه في الانتخابات ملاذه الأخير، لذلك يسعى بكل قوة لاستدراك الخطر قبل وقوعه بعدة خطوات استباقية، أهمها:
1- تجنب الحديث عن معضلة غزة أو زيارة للمستوطنات القريبة منها، خشية انتقادات وتساؤلات لا يمتلك الإجابة عنها، والاكتفاء بتكرار تهديداته بالقيام بعملية عسكرية واسعة في حال تطلب الأمر أو إتمام الاستعدادات للقيام بها، وهو بذلك يمهد الطريق لإلقاء اللائمة على الجيش واتهامه بعدم الوصول إلى المستوى المطلوب من الجاهزية للتنصل من انتقادات منافسيه.
2- الاعتراف بمسئولية (إسرائيل) عن العمليات التي تُنفذ ضد أهداف إيرانية في سوريا، واستعراضها إنجازًا ضمن حملته الانتخابية، رغم تعارض ذلك وسياسة التعتيم التي تبنتها (إسرائيل) على مدار سنوات، فضلًا عن ذلك كشف أخيرًا عن معلومات أمنية تتعلق بالمشروع النووي الإيراني، خلافًا لرؤية قادة الأجهزة الأمنية.
3- استغلال علاقاته مع الرئيسين الأمريكي والروسي في حملته الانتخابية، ورفع صورهم إلى جانب صورته، للإشارة إلى مدى قبوله وتأثيره في الحلبة الدولية، لاسيما أن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن 28% من الجمهور الإسرائيلي يعترفون بدوره في تعزيز مكانة (إسرائيل) الدولية، وتعهد بالعمل على التوصل إلى تحالف دفاعي مشترك مع الولايات المتحدة.
4- استعراض قدرته على اختراق العالم العربي، ونجاحه في تجنيد بعض قادته للعمل لمصلحة (إسرائيل) في إطار المصالح المشتركة، خصوصًا ما يتعلق بالخطر الإيراني.
5- استمرار التأليب على "الوسط العربي"، واتهام قادته بالعمل على تزييف الانتخابات تارة، والسعي إلى تدمير دولة (إسرائيل) تارة أخرى، واستغلال مشاعر العداء ضدهم لزيادة نسبة التصويت لدى الجمهور اليهودي، وللتأثير على الناخب "العربي"، وخفض نسبة المشاركين في الانتخابات، لكي يتمكن من تشكيل حكومته اليمينية بأريحية.
6- تعيين مقربيه في مناصب رفيعة داخل الجهاز القضائي، كتعيين مراقب الدولة متنياهو آنجلمان الذي أعلن فور توليه المنصب نيته إغلاق قسم محاربة الفساد، وسمح لنتنياهو بالحصول على قرض لتمويل أتعاب المحامين الذين يترافعون عنه خلافًا لقرار المراقب السابق.
7- التعهد بفرض "السيادة الإسرائيلية" على غور الأردن وشمال البحر الميت ومستوطنات الضفة، لدغدغة عواطف المستوطنين وكسب أصواتهم، رغم الانتقادات الدولية والمحلية التي ترى هذه الخطوة تمهيدًا لدولة ثنائية، وما تشكله من خطر ديمغرافي على (إسرائيل), فضلًا عن القضاء على إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية، وما قد يترتب عليه من مخاطر أمنية في حال اندلاع انتفاضة ثالثة بالضفة الغربية.
8- التجاهل المقصود للمشاكل التي يعانيها الجمهور الإسرائيلي، كمشكلة الجهاز الصحي الذي يعاني حالة انهيار، ومشكلة الجهاز التعليمي والنقص الكبير في عدد المعلمين، وارتفاع نسبة الفقر، وزيادة العجز في الميزانية، خلافًا للتوقعات.
9- التأليب على وسائل الإعلام التي تتحدث عن ضلوعه في قضايا الفساد، والتشهير ببعض الإعلاميين، ما اضطر الشرطة إلى توفير حماية للصحفي جاي فيلج، بسبب نشره معلومات عن فحوى التحقيقات معه في إحدى قضايا الفساد، وفي المقابل دعمه المواقع اليمينية التي تتولى الدفاع عنه.
10- النزول إلى مستوى لا يليق برئيس حكومة أو أي شخصية سياسية تحترم نفسها، كالمشاركة في فيديوهات قصيرة، ولعب دور المرشد السياحي تارة، والمنقذ البحري تارة أخرى.
هذه الخطوات وغيرها تعبر عن حالة التوتر التي يعيش فيها نتنياهو, فهل ستُسعفه خبرته الطويلة في خداع الجمهور الإسرائيلي للفوز بالانتخابات والخلاص من المصير المشئوم الذي ينتظره، أم أن رياح التغيير التي لا تُحابي أحدًا ستعصف به وتلقيه في غياهب السجن سنوات طويلة، ليلاقي المصير نفسه الذي لاقاه رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، ورئيس الدولة السابق موشيه كتساف؟, وإن غدًا لناظره قريب.
adel_20091968@hotmail.com