لم تسلم المياه الفلسطينية من جرائم الاحتلال الإسرائيلي، على مدار عقود طويلة، عبر سلسلة من الإجراءات التعسفية في قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي ينعكس على جميع مناحي الحياة، ومن ذلك الأراضي الزراعية.
وحرم الاحتلال الإسرائيلي الشعب الفلسطيني حقوقه في المياه، بإقامة العديد من المستوطنات فوق أماكن غنية في مدن الضفة، وسرقة المياه الخاصة بقطاع غزة.
وتشير دراسة لمركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير، بعنوان: "الصراع على المياه في فلسطين.. واقع وحلول"، إلى أن 85% من مياه الخزان الجوفي مسيطِر عليها الاحتلال؛ أي ما يعادل “500-600 مليون متر مكعب”.
و70% من المستوطنات في الضفة تقع على حوض الخزان الشرقي في الضفة، و45% من هذه المستوطنات تقع في مناطق حساسة جدًّا فيما يتعلق بتغذية الخزان الجبلي في الضفة، وهذه المستوطنات تحتكر بغير وجه حق نسبة كبيرة من المياه الجوفية، وتحرم المزارعين الفلسطينيين ري أراضيهم، وفق الدراسة.
وحذرت سلطة المياه في قطاع غزة في بيان لها العام الماضي من أزمة حقيقية في قطاع المياه الصالحة للاستخدام، مؤكدة أنها ستستمر سنوات قادمة ما لم يكن هناك تدخل عاجل من المجتمع الدولي، للضغط على الاحتلال لرفع الحصار، والبدء بمشاريع توفير مصادر مياه تلبي الاحتياجات المختلفة للمواطنين بغزة.
المزارعون يشتكون
ويشكو المزارعون في قطاع غزة والضفة الغربية عواقب إجراءات الاحتلال وشح المياه الخاصة بالأراضي الزراعية، ما يترك آثارًا سلبية، خاصة في المواسم الزراعية التي تحتاج إلى كميات أكبر من المياه.
المزارع فايز الطنيب واحد ممن تضرروا من سياسات الاحتلال وإجراءاته في تجفيف منابع المياه الواصلة إلى أرضه الزراعية في طولكرم.
ويؤكد الطنيب الذي يعمل في مهنة الزراعة منذ 35 عامًا لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال وضع يديه على كل مصادر المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما انعكس سلبًا على المزارعين الفلسطينيين كافة.
ويوضح -وهو صاحب أرض تبلغ مساحتها 32 دونمًا- أن الاحتلال وضع يده على البئر الارتوازية التي يعتمد عليها في ري مزروعات أرضه، واصفًا ذلك بأنه "معاناة حقيقية تؤثر على الزراعة، خاصة في المواسم".
ويُشير إلى أن الاحتلال يفرض على المزارعين سلسلة من الإجراءات التعسفية، أبرزها عدم قدرتهم على حفر أي بئر دون الحصول على إذن رسمي، فضلًا عن حرمانهم استغلال المياه الطبيعية الموجودة بين المرتفعات الجبلية.
ويشدد على أن إجراءات الاحتلال تحد من تطور الزراعة في فلسطين عامة، لافتًا إلى أنهم يحاولون التغلب على ذلك باستغلال المياه الموجودة في الطبيعة والأمطار.
وينبّه الطنيب إلى معاناة أخرى تتمثل في حصول المستوطنين على المياه مجانًا، في حين أن الفلسطينيين يحصلون عليها مقابل أموال كبيرة.
ويطالب بالوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، من أجل مجابهة الاحتلال والحصول على الحقوق الفلسطينية كاملة، وأبرزها المياه.
ولم تختلف المعاناة كثيرًا لدى المزارع عائد أبو جراد من قطاع غزة، إذ يشكو نقص المياه الجوفية الواصلة إلى أرضه الزراعية الواقعة في بلدة بيت حانون شمال القطاع، بسبب جرائم الاحتلال وآثار حصاره للقطاع.
ويوضح أبو جراد لصحيفة "فلسطين أن الاحتلال والحصار يتسببان بتقليص كميات المياه الواصلة إلى الأراضي الزراعية، وزيادة ملوحتها، وهو ما ينعكس على كثير من المحاصيل الزراعية.
ويشير إلى أن ملوحة المياه الزائدة تدفعه إلى حفر آبار ذات عمق كبير تحت الأرض، وهو ما يزيد الأعباء المالية الملقاة على عاتقه، مع تردي الأوضاع الاقتصادية.
ويبيّن أبو جراد أن ما سبق قد يؤدي إلى جعل الأراضي غير صالحة لزراعة كثير من المزروعات، فتصبح الزراعة فيها موسمية لمحاصيل أخرى، مثل: القمح والشعير.
من جانبه يصف المدير العام للمياه والصرف الصحي في بلدية غزة رمزي أهل الوضع المائي بـ"المدمر"، نتيجة عدم إتمام المشاريع الإستراتيجية التي من المفترض إنجازها قبل قرابة 20 عامًا.
ويرجع أهل خلال حديثه مع "فلسطين" ذلك إلى الإجراءات التي يفرضها الاحتلال، وإعاقته إدخال المواد الخاصة بذلك، ما أدى إلى تدهور قطاع المياه الركيزة الأساسية للقطاع الزراعي.
ووفق إفادة أهل، إن الخزان الجوفي يُعاني نقصًا كبيرًا في المياه، ما انعكس على الأراضي الزراعية، مشيرًا إلى أن الاحتلال أعاق إنجاز مشروع معالجة مياه الصرف الصحي، التي ستستخدم لري أنواع معينة من المحاصيل الزراعية.