أصدرت محكمة الاحتلال الإسرائيلي العليا، أمس، قراراً تسمح بموجبه لجيشه احتجاز جثامين الشهداء، وسط تنديد ورفض فلسطيني للقرار كونه عنصريا وينتهك كل القوانين الإنسانية.
وقالت القناة الثانية العبرية، إن هيئة خاصة من المحكمة ومكونة من 7 قضاة أقرت أمس بالسماح لجيش الاحتلال باحتجاز جثامين الشهداء لغايات المفاوضات؛ سعياً لاستعادة الجنود الأسرى والمفقودين في قطاع غزة.
ونبهت القناة العبرية إلى أن قرار أمس، صدر ردا على التماس تقدم به عدد من عائلات شهداء محتجزة جثامينهم لدى الاحتلال.
وكانت "الحملة الوطنية" لاسترداد جثامين الشهداء، أفادت بأن سلطات الاحتلال لا تزال تحتجز جثامين 253 شهيدا في "مقابر الأرقام"، و45 في الثلاجات التابعة لها.
وتضم قائمة الشهداء المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام منذ انتفاضة القدس في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، قرابة 45 شهيدا من القدس والضفة الغربية المحتلتين وقطاع غزة، أقدمهم الشهيد عبد الحميد سرور منذ 15 إبريل/ نيسان 2016.
و"مقابر الأرقام" هي مقابر عسكرية مغلقة، تحتجز فيها سلطات الاحتلال رفات شهداء فلسطينيين وعرب، وتتميز شواهد قبورها بأنها عبارة عن لوحات مكتوب عليها أرقام بدلاً من أسمائهم، ويحظر الدخول إليها، سواء من قبل ذويهم أو مؤسسات حقوق الإنسان، كما تبقى طي الكتمان ولا تنشر أي معلومات شخصية تتعلق بأصحاب تلك القبور.
محاكم صورية
وقال النائب في المجلس التشريعي، فتحي القرعاوي، إن سماح محكمة الاحتلال باحتجاز جثامين الشهداء "لن يرهب شعبنا أو يدفعه للتراجع قيد أنملة عن حقوقه وأهدافه في التحرر".
وأضاف القرعاوي في تصريحات صحفية أمس، أن محكمة الاحتلال العليا أثبتت مجدداً أنها محكمة سياسية تأتمر بأمر قادة الاحتلال، واصفاً دورها بــ"الغطاء الشكلي" من أجل تمرير سياسات القمع والقتل والتشريد بحق الشعب الفلسطيني.
ودعا لتفعيل قضية استرداد جثامين الشهداء عبر تكثيف الحراكات الميدانية، ورفع الدعاوى والقضايا في المحاكم الدولية لفضح ممارسات الاحتلال ومحاكمه الصورية.
من جانبها، رأت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، أن "القرار الجائر" يعكس نوايا الاحتلال المبيتة لاستغلاله في التفاوض والمساومة مع المقاومة في غزة، لإطلاق سراح الجنود الأسرى والمفقودين.
وبيّنت الهيئة في بيان لها أمس، أن القرار اتخذ بتأييد أغلبية قضاة المحكمة العليا، في تساوق واضح ما بين الجهاز القضائي والعسكري لدى الاحتلال، مشددة على أن الاحتلال "تفنن بإصدار قوانين وقرارات عنصرية متطرفة بحق الفلسطينيين".
واعتبرت صدور القرار "انتقاميا بحق الشهداء لمعاقبتهم بعد موتهم، بشكل يخالف المواثيق الدولية وقواعد حقوق الإنسان".
من جهته، عدّ المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس عبد اللطيف القانوع، قرار محكمة الاحتلال عنصريا وينتهك كل القوانين الإنسانية، مستنكراً التلاعب بجثامين الشهداء.
وأضاف القانوع في تصريح صحفي أمس، أن "القرار لن يغير من وتيرة نضال شعبنا ومقاومته ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه أو أن ينال من عزيمة عوائل الشهداء وإرادة الشباب الثائر في الضفة الغربية".
وأدانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قرار محكمة الاحتلال، واصفة إياه بأنه انتهاك للقوانين الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان التي شرعتها الأمم المتحدة.
ورفضت الجبهة في بيان لها المساواة بين جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال، وجثث جنود الاحتلال المحتجزين لدى المقاومة، وقالت: إن شهداء الشعب الفلسطيني مناضلون لأجل حرية وطنهم وشعبهم، تصدوا لاحتلال غاشم، فهم يمارسون حقاً وطنياً كفلته لهم قرارات الشرعية الدولية، فيما جثث جنود الاحتلال وقعت بين أيدي المقاومين وهم يصدون أعمالاً عدوانية لجيش الاحتلال، اخترقت السياج الفاصل مع قطاع غزة.
ودعت الجبهة السلطة الفلسطينية وقيادتها لنقل ملف جثامين الشهداء إلى مجلس الأمن، والمجلس العالمي لحقوق الإنسان، والمحكمة الجنائية الدولية، للضغط على الاحتلال للانصياع للقوانين الإنسانية لتحرير الجثامين التي ما زالت محتجزة بشكل تعسفي.
المحكمة تناقض نفسها
بدوره، طالب محامي أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم، محمد عليان، السلطة والمؤسسات الحقوقية، بممارسة الضغط السياسي على الاحتلال والعمل على تدويل قضية احتجاز الجثامين "كون الملف استنفد كل إجراءاته في القانون المحلي".
وقال عليان لصحيفة "فلسطين" إنه وبعد المصادقة على هذا القرار من أكبر سلطة قضائية لدى الاحتلال أصبح بمثابة قانون لا يمكن الاستئناف عليه, معتبرا إياه "سياسيا ومثيرا للجدل وتأكيدا على عدم نزاهة المحكمة".
وحول توقيت القرار، أوضح عليان أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يستغل الأجواء الانتخابية للتأثير على الرأي العام، بإيهام جمهوره أنه يواصل العمل على استعادة جنوده من غزة, وأنه قادر على تعطيل عمليات التبادل أو استرجاع الجثامين المحتجزة, وهذا ما يعتبره نتنياهو انتصارا وفق دعايته الانتخابية.
والمحامي عليان هو والد الشهيد بهاء عليان الذي نفذ في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 عملية طعن وإطلاق نار داخل حافلة للمستوطنين في قرية جبل المكبر بالقدس المحتلة، مع الأسير بلال أبو غانم, وقد سلمت قوات الاحتلال جثمانه بعد احتجاز دام 9 أشهر.
ونبه عليان إلى أن محكمة الاحتلال خالفت قرارها الذي اتخذته عام 2017، وقالت فيه إنه لا يحق للجيش مواصلة احتجاز الجثامين طالما لا يوجد قانون ينظم الإبقاء عليها لغايات المفاوضات.
وأضاف أن حكومة الاحتلال رفضت هذا الأمر رفضاً تاما واعتبرته قراراً معيقا لجهودها في إعادة جنودها المأسورين، وعليه قدمت التماساً للمحكمة العليا طالبتْ فيه بإعادة القضية للمداولة، وهو ما يُسمى "النقاش الإضافي" بحضور هيئة قضائية موسعة من 7 قضاة بدلاً من 3.
واتهم محكمة الاحتلال أنها "تناقض نفسها، ففي حين تعتبر احتجاز الجثامين منافيا للقوانين الدولية الإنسانية، وترفض مبدأ التبادلية على حد زعمها، وفي نفس الوقت أعطت مهلة للحكومة من أجل سن قانون يشرع هذه الجريمة".