لم يشفع رحيل الأسير بسام السايح في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أول من أمس، له لدى أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، لإتاحة الفرصة للمواطنين بالتضامن مع ذويه ورفض سياسة الإهمال الطبي من قبل إدارة السجون التي أدت إلى استشهاده.
فقد منعت أجهزة أمن السلطة مسيرة طلابية غاضبة في إثر استشهاده من الوصول إلى حاجز "بيت إيل" شمال البيرة.
وسبق أن اعتقلت أجهزة أمن السلطة "السايح" قرابة ست مرات خلال حياته، ليرحل تاركًا خلفه تجربة مريرة مع تلك الأجهزة التي تتماهى مع سياسات الاحتلال.
ففي سنة 1996 تعرض للاعتقال والتعذيب على يد أجهزة أمن السلطة للتحقيق معه حول شقيقه المطارد أمجد السايح وتعرض لأشد العذاب، وفي 1998 اختطف عبر كمين لمخابرات السلطة وعذبوه بشدة.
كما اعتقل بعد أحداث 2007 لعدة أشهر في سجون السلطة، ونجم عن ذلك صعوبة في الحركة من شدة ما ذاق من تعذيب، وفي عام 2008، وبعد زواجه بثمانية أيام، اعتقلته أجهزة أمن السلطة واقتادته للتحقيق خمسة أشهر في سجن "جنيد" ثم نُقل والدم يسيل من ظهره إلى سجن أريحا.
وأعيد اعتقاله عام 2009، وكل ذنبه الانتماء لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وحب المقاومين، وفي 10 سبتمبر/ أيلول 2011 اعتقلته السلطة وسجنته في سجن "جنيد" من جديد، وفي أثناء اعتقاله أصيب بمرض سرطان الدم وهشاشة العظام.
واشتكى "السايح" يومًا لأستاذه الأكاديمي والكاتب السياسي د.عبد الستار قاسم، حينما زاره في أحد مستشفيات الضفة الغربية في أثناء تلقيه العلاج، مما تعرض له في سجون السلطة.
وأوضح قاسم لصحيفة "فلسطين" أنه درَّس بسام في جامعة النجاح الوطنية، قائلا: "لقد كان مجدًا ومجتهدًا، وطالبًا محترمًا يحرص على أداء واجباته الجامعية، وكان محبًّا لمدرسيه وزملائه الطلاب إلا من كان يغدر منهم، أي من كان يعمل مخبرًا يشي بزملائه".
تبادل أدوار
وكتب قاسم على صفحته في موقع "فيسبوك" في رثائه للشهيد السايح: "التزامه الديني والأخلاقي والوطني صنع له أعداء تربصوا به واعتقلوه، ومنهم من أساء معاملته بصورة فظة".
وحول ذلك أوضح قاسم أنه زاره في المستشفى، وتحدث له بسام عن اعتقاله في سجون السلطة ومضايقته وإساءة معاملته ومعايشته أوضاعًا صعبة.
وقال: "قال لي إنهم طلبوا منه أن يكتب إفادة، فوافق على ذلك بشرط أن يأخذ الأمان منهم، فأعطوه الأمان، فلم يثق بهم لارتباطهم الأمني مع الاحتلال، وقال لهم إنهم يرسلون الإفادات للاحتلال".
ولفت قاسم إلى أن أجهزة أمن السلطة اعتقلته مرات عديدة وطاردته رغم مرضه الذي لم يشفع له عندها، قائلاً: "الاحتلال مجرم بحقه وبحق جميع الأسرى، لكن السلطة أيضا أجرمت بحقه وبحق الأسرى المحررين الذين تعيد اعتقالهم يوميًّا".
وتابع: "السلطة وقياداتها تقدم العزاء اليوم باستشهاده لذويه وهي التي سجنته وعذبته؛ لذلك هم جماعة لا يستحون"، موضحاً أن ما يحدث هو تبادل أدوار بين السلطة والاحتلال في اعتقال المقاومين، وفق الاتفاقيات الموقعة بينهما.
وأضاف قاسم: "هذه خيانة عظمى، أن تتلقف السلطة المواطنين بعد الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، ثم يتلقفهم الاحتلال بعد الإفراج عنهم من سجون السلطة"، مشيرا إلى أن السلطة سطرت نقاطا خيانية سوداء خلال العقدين ونصف الماضية.
وأضاف: "لم يحدث أن يقف إنسان اُحتلت أرضه حارسا للمحتلين، وهذا ما تفعله السلطة، تحرسهم وتعمل وكيلا أمنيا لهم"، مشيراً إلى أن الخطير في الأمر خروج مؤرخين أمنيين يكتبون للأجيال القادمة أنهم قدموا تضحيات من أجل القضية.
ولم يخفِ قاسم التوقعات باستشهاد الأسير السايح،لتعمد الاحتلال قتله عبر سياسات الموت البطيء، لا سيما أنه لا يقدم للأسرى المرضى العلاج المناسب بل يفاقهم معاناتهم وآلامهم.
استخفاف بقضية الأسرى
بدوره عدَّ الباحث في شؤون الأسرى رياض الأشقر، اعتقال أجهزة أمن السلطة الأسرى المحررين استخفافًا بقضيتهم وإنقاصًا من حق الأسرى الذين ضحوا بأعمارهم وحياتهم من أجل عزة شعبنا وقضاياه الوطنية.
وقال الأشقر لصحيفة "فلسطين": "إن الأسرى المحررين يجب أن نكرمهم ونحتفي بهم وهذه شيمنا نحن الشعب الفلسطيني المقاوم، لا أن نعتقلهم ونستدعيهم وننكل بهم ونطاردهم كما تفعل السلطة بالمجاهدين والمقاومين والأسرى المحررين من سجون الاحتلال".
وأوضح أن ممارسات السلطة ضد الشهيد "السايح" وغيره من المحررين والمقاومين يشكل ضربة وطعنة في خاصرة قضية الأسرى، واستهتارا بمعاناتهم الطويلة داخل سجون الاحتلال.
وتابع أن يجب أن نفتح أمام هؤلاء الأسرى آفاق العمل، وتكريمهم ومنحهم حياة كريمة وعزيزة بعد الأسر، لافتاً إلى أن ما تقوم به السلطة هو دور يكمل ما تقوم به سلطات الاحتلال بحق الأسرى، واستمرار لسياسة تبادل الأدوار في إيذاء الأسرى ووأد نضالاتهم.