فلسطين أون لاين

​المقدسيان العباسي والباسطي ضحية سياسة "اهدم بيتك بيدك"

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ جمال غيث:

سرعان ما تتبدل فرحة أحمد العباسي حزنًا، لما ينظر إلى منزله المهدم في حي رأس العامود ببلدة سلوان، بمدينة القدس المحتلة.

ويشعر العباسي (48 عامًا) بضعف أمام أسرته المكونة من خمسة أفراد، لأنه لم يتمكن من الحفاظ على منزل ليقيموا فيه، بعد أن اضطر إلى هدمه بيده، تفاديًا لدفع غرامات مالية باهظة يفرضها الاحتلال، إذا أقدم هو على تنفيذ أمر الهدم، الذي أصدره بحجة البناء دون ترخيص.

وأمضى العباسي قرابة العامين في بناء، وتأثيث منزله، ووضع كل ما كان أطفاله يحلمون به داخله، لكن سرعان ما أصدرت محكمة الاحتلال الإسرائيلي قرارًا بهدم المنزل، لتتحول فرحته بالمنزل إلى حزن كبير.

ويلفت في حديث مع صحيفة "فلسطين" إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أمهله مدة 24 ساعة لهدم منزله، وإلا فسيحضر آلياته ويهدمه ويجبره على دفع غرامة مالية باهظة.

ويضطر العباسي إلى دفع مبلغ 2500 شيقل شهريًّا ثمن استئجار منزل، لجأ إليه بعد أن هدم الاحتلال بيته نهاية آذار (مارس) الماضي.

ورغم هدم المنزل يصر العباسي على السكن في بلدة سلوان، لمواجهة سياسة الاحتلال الإسرائيلي الرامية لتهجير سكان المدينة المقدسة من أراضيهم.

وشرع الاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظات الأولى لإكمال احتلال القدس سنة 1967م في اتباع سياسة عدوانية عنصرية ممنهجة ضد المقدسيين؛ بغية إحكام السيطرة على مدينة القدس وتهويدها وتضييق الخناق على سكانها الأصليين؛ بسلسلة من القرارات والإجراءات التعسفية التي طالت جميع جوانب حياة المقدسيين اليومية.

وزادت جرائم الاحتلال بحق المقدسيين في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كهدم منازلهم بعد وضع العديد من العراقل والمعوقات أمام إصدار تراخيص بناء، لتحجيم وتقليص الوجود السكاني الفلسطيني في المدينة المقدسة، بحسب تقرير صادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وهدم الاحتلال حتى منتصف عام 2019م نحو 59 منزلًا في محافظة القدس؛ ما أدى إلى تشريد نحو 177 فلسطينيًّا في العراء، بعض المباني هدمها أصحابها بأيديهم، لتفادي تكاليف الهدم الباهظة التي تلقى على عاتقهم، إذا لم ينفذوا أمر الهدم بأنفسهم، وفق إفادة مؤسسات حقوقية.

وفي 22 تموز 2019م شرع الاحتلال في هدم 16 مبنى في وادي الحمص ببلدة صور باهر جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة، ليضيف جريمة جديدة إلى سلسلة جرائم هدم شهدها أيضًا حي المغاربة سنة 1967م، وما زالت مستمرة.

تفريغ القدس

ولا يختلف كثيرًا حال نبيه الباسطي (52 عامًا)، الذي اضطر إلى هدم منزله بيده في نيسان (أبريل) الماضي، بقرار من الاحتلال الإسرائيلي بحجة البناء دون ترخيص.

وفي سنة 2000م طلب جيش الاحتلال من الباسطي هدم منزله، لكنه رفض أمر الهدم، وخاض "معركة" مع قضاء ومحاكم الاحتلال على مدار السنوات الـ(19) الماضية، وفق إفادة الباسطي، الذي يقول لصحيفة "فلسطين": "قبل ثلاث سنوات صدر قرار الهدم النهائي لمنزلي".

ويبين بغضب أن الاحتلال أمهله 24 ساعة آنذاك لهدم المنزل كاملًا، وفي حال لم ينفذ القرار فستهدمه جرافاته الاحتلال وستجبره على دفع تكلفة الهدم، مؤكدًا أنه دفع خلال السنوات الماضية غرامات مالية بقيمة 75 ألف شيقل في محاولة لمنع الهدم.

وفي نهاية المطاف، يقول الباسطي بحزن: "هدمت جدران منزلي بيدي في نيسان (أبريل) الماضي، لكن ذلك لم يكفِ الاحتلال الذي طالبني بإزالة جميع جدران وسقف المنزل، وإلا فسيهدمها".

ومنذ أن هدم الباسطي منزله في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، جمع أسرته المكونة من خمسة أفراد للعيش في غرفتين قديمتين بمنزل والده، في منطقة قريبة.

ويتابع: "إن الاحتلال يجبرنا على هدم منازلنا بحجة البناء غير المرخص في حين يسمح للمستوطنين بالبناء فوق أراضينا دون ترخيص"، مؤكدًا أن الاحتلال يسعى إلى تفريغ مدينة القدس من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين مكانهم.

ويوضح أن هذا هو هدف الاحتلال من هدم منازل المواطنين، وسحب هوياتهم، وفرض الغرامات المالية الباهظة عليهم، ومنعهم من البناء، مضيفًا: "لن أترك القدس والأقصى، وسأبقى بالقرب منه، مهما كلفني ذلك من ثمن".

وإلى جانب العباسي، والباسطي، يصر حمزة المغربي، كل يوم على الجلوس فوق ركام منزله في بلدة سلوان بمدينة القدس المحتلة، بعد أن دمرته جرافات الاحتلال في 2 كانون الآخر (يناير) الماضي، بعد أن كان حلمًا لأبنائه وعائلته في توسيع مسكنهم الذي يعيشون به.

وكانت تبلغ مساحة المنزل -وفق ما يقوله المغربي لصحيفة "فلسطين"- نحو 100 متر مربعة، وشيد قبل نحو خمس سنوات، ويشير إلى أن الاحتلال بدأ ملاحقته بعد بنائه بشهور، بحجة البناء غير المرخص.

ويلفت إلى أنه اضطر إلى دفع مبالغ مالية باهظة للاحتلال الإسرائيلي وفي محاكمه لتفادي قرار الهدم، لكن دون جدوى فـ"الاحتلال لا يفكر إلا بالانقضاض على مدينة القدس وتغيير معالمها".

ومع ذلك، يؤكد المغربي تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه، منبهًا إلى أن هدف الدمار وهدم المنازل هو تفريغ المدينة المقدسة من سكانها الأصليين وإبقاء المحتلين فيها، وهو ما لم يتحقق من قبل بمصادرة الأراضي للاستيطان، ولن يتحقق بعد هدم منزله.

وأظهرت معطيات وثقها تقرير الاستيطان الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير، في آب (أغسطس) الماضي، أن البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس المحتلة وصل منذ فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية إلى مستويات قياسية مقارنة بالسنوات الـ20 الأخيرة.

ووفقًا للتقديرات إن الاحتلال أقام منذ إكمال احتلال القدس سنة 1967م عشرات المستوطنات في محيط المدينة، وأقام فيها أكثر من 55 ألف وحدة استيطانية على أقل تقدير، وطرأ خلال المدة بين 2017م و2018م تصاعد هائل في وتيرة البناء الاستيطاني بالمدينة المحتلة، إذ صدق على بناء 1861 وحدة استيطانية جديدة، بارتفاع يبلغ 58% مقارنة بالعامين 2015م و2016م.