السلطة الفلسطينية ترحب باستقالة غرينبلات من منصبه مبعوثا للشرق الأوسط. الفصائل رحبت بهذه الاستقالة. ترحيب الأطراف كلها جاء مشفوعا بأن الاستقالة تعد فشلاً لخطة صفقة القرن، ومذيلة بأن غرينبلات كان يمينيا صهيونيا أكثر من اليهود أنفسهم.
أنا لا أنكر على السلطة والفصائل، والمكونات السياسية الترحيب بهذه الاستقالة، لأن الرجل كان ينكر على الفلسطينيين حقوقهم، وينحاز إلى (إسرائيل) انحيازا مطلقا، ولكني لا أرى في استقالته أدنى مؤشر على فشل سياسة ترامب، وفشل خطة صفقة القرن، لسببين على الأقل: الأول أن السياسة في أميركا لا تقوم على الفرد بشكل مطلق كما في بلادنا العربية، بل تقوم على المؤسسة، والبيت الأبيض يمثل مؤسسة الإدارة الأميركية التي تدير مع الخارجية السياسة الخارجية، واستقالة غرينبلات لن تغير السياسة الخارجية الأميركية، ففي النهاية غرينبلات موظف رفيع، يذهب ويأتي مكانه موظف مماثل.
والثاني: أن جلّ ما في صفقة القرن إما تمّ تطبيقه على الأرض، وإما هو قيد التطبيق، فمما تمّ تطبيقه إسقاط القدس عن طاولة المفاوضات، وما هو قيد التطبيق على سبيل المثال إسقاط حق العودة، وتهجير الفلسطينيين من لبنان وسوريا إلى كندا وغيرها، وشطب الأونروا من الوجود. لذا لا يجدر بالسلطة والفصائل أن تبالغ بأهمية استقالة غرينبلات، ولا يجدر أن تتخذها مؤشرا على فشل صفقة القرن، لأن في ذلك خداعا للنفس، وخداعا آخر للشعب.
قد تريحنا فلسطينيا استقالة غرينبلات، ولكنا ما زلنا نجهل من هو خلفه، وما سياسته، وكيف نتعامل معه. ؟! واللافت للانتباه أن مصر والسعودية صرحت بعيد الاستقالة أنها ستواصل رعايتها للقضية الفلسطينية والمفاوضات والمصالحة. وهذا يؤكد أننا نتعامل مع سياسات دول، لا مع سياسة أفراد. استقال غرينبلات لكن سياسته كمبعوث للشرق الأوسط باقية، وتنتظر موظفا جديدا لاستكمالها.
ذهاب مجرم إلى بيته لا يعني أبدا انتهاء الجريمة، ولا انتهاء المجرمين، فالإجرام ولود، كالشر تماما يلد شرا، ولا يلد خيرا، وإدارة أميركية مسكونة بالشر والجريمة لا ترسل مبعوثا خيّرا للشرق الأوسط، بل لا بدّ أن يبزّ سابقه في المكر والجريمة والمناورة. حين تتغير السياسة سنرحب بها، وحين يتغير الأشخاص ننتظر، وفي فمنا ماء.