أكد الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، والمرشح للرئاسيات المقررة في سبتمبر/أيلول الجاري، أن أول مشروع قانون سيطرحه على البرلمان التونسي، حال فوزه في الانتخابات الرئاسية، هو مشروع للعودة للحرب على الفساد.
وقال المرزوقي (74 عاما) خلال مقابلة صحفية في مقر حملته الانتخابية بالعاصمة تونس: "رئيس الجمهورية له المبادرة التشريعية، وأنا كل مبادراتي التشريعية ستكون لضرب الفساد الذي يستنزف البلاد بكيفية رهيبة".
ويسعى المرزوقي إلى العودة إلى قصر قرطاج ثانية، بعد أن شغل منصب رئيس الجمهورية من ديسمبر/كانون أول 2011 وحتى ذات الشهر من عام 2014، لتحقيق حلمه برؤية تونس متقدمة.
وذكّر المرزوقي بالقانون الذي صادق عليه البرلمان التونسي في خصوص المصالحة الاقتصادية، قائلا: "أن أول مشروع جاء به الباجي قايد السبسي، هو المصالحة مع الفاسدين، أما أنا، فأول مشروع سأطرحه عل البرلمان هو عودة الحرب ضد الفساد".
وفي سبتمبر/أيلول 2017، صادق البرلمان التونسي على قانون المصالحة في المجال الإداري، والذي قوبل باحتجاج نواب للمعارضة، ونشطاء سياسيين.
ويتضمن القانون 7 بنود تقرّ العفو عن نحو ألف و500 موظف حكومي ممن يشتبه بارتكابهم "الفساد المالي"، و"الاعتداء على المال العام" (فترة حكم زين العابدين بن علي).
وتابع المرزوقي موضحا سبب عودته للتنافس على الرئاسة: "لي مجموعة من مشاريع القوانين لابد أن تكون جاهزة لتنظيم مستقبل تونس، في مواجهة المشكلة الكبرى المتمثلة في التغير المناخي، مثل قانون للماء، وقانون للبذور، وقانون للبحر، ولا أتصور أن يرفض البرلمان قوانين تنقذ تونس".
وقال المرزوقي: "الرئيس هو الشخص الذي يجب أن يكون قدوة في التصرف في المال العام، وهذه وظيفة قمت بها ونجحت فيها (يعني فترة رئاسته) ولزام علي العودة لتركيز فكرة غريبة عن تونس والعالم العربي، هي أننا بحاجة لرئيس قدوة، وليس رئيس قائد".
وفي ذات سياق الحديث عن مهام الرئيس، قال المرزوقي إن "مواصلة السياسية الاقتصادية الحالية ستعمق الكارثة، ونحن قادرون على توفير كل الموارد المالية التي تحتاجها تونس؛ لوضعها من جديد على السكة الصحيحة".
وأضاف أن "أموال الشعب التونسي كلها ذاهبة للفساد والتبذير"، مشيرا إلى حالات "التهرب الضريبي، أو الديون والأموال المهربة للخارج، وأموال التهريب التي تدور خارج المنظومة الاقتصادية".
وشدد خلال حديثه على أنه "من الممكن ببعض القوانين الذكية إعادة هذه الأموال الى الدورة الاقتصادية".
وتابع المرزوقي: "دور رئيس الجمهورية وحتى رئيس الحكومة، هو إعادة الأمور إلى نصابها..هؤلاء (المنظومة الحاكمة الحالية) لا يمكنهم القيام بذلك، لأنه يمولهم الفساد، ولهم علاقات مشبوهة به، ولا يمكنهم محاربة الفساد ووضع البلاد في منوال اقتصادي آخر".
وشدّد على أن "من يقوم بهذا هم الذين لا ارتباط لهم بالمال الفاسد ولا ارتباط بالإعلام الفاسد".
إلا أن المقاربة التي يطرحها المرزوقي في مواجهة المنظومة الحاكمة، لا تجعله متمسكا بما كان يتحدث عنه منذ سنوات، من وجود انقسام في تونس بين منظومة الثورة ومنظومة الثورة المضادة.
وفي هذا السياق، يقول المرزوقي: "أنا أعتبر أن معادلة ثورة وثورة مضادة، وقع تجاوزها مثلما وقع تجاوز معادلة إسلاميين علمانيين، وأنا أسعى بكل قوايا أن أتجاوز هذه الثنائية البسيطة".
وأضاف: "الفاصل اليوم ليس الثورة والثورة المضادة، لأنه في الوقت الحاضر ليس هناك قوة قادرة على العودة لحل البرلمان وإرساء الديكتاتورية، فهم انفسهم غير قادرين على التخلي عن الديمقراطية، لأنها في مصلحتهم".
وأكد المرزوقي أن "الفاصل اليوم، هي القضايا الاقتصادية والاجتماعية.. هل أنت مع مطالب الشعب وقضاياه واحتياجاته التي هي احتياجات الأغلبية الساحقة، أم تخدم أجندة الأقليات المتنفذة الفاسدة التي لها التلفزيونات والأحزاب والمرشحين".
وفي سياق آخر، أكد المرزوقي أن الصراع الهووي (الصراع حول الهوية) انتهى، مستدلا بأن "النهضة والنداء في نفس الحكومة بينما هو معروف اختلافهم في قضايا الهوية".
ويعود المرزوقي ليعتبر أن "الفاصل الآن، هو بين من أيد قانون المصالحة مع الفساد الذي قدمه السبسي وبين من وقف ضده".
واعتبر المرزوقي نفسه "المرشح الأوفر حظا للفوز، في منظومة من يريدون تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمصلحة الأغلبية".
ويفسر المرزوقي ذلك بأنه "آتٍ من طبقة فقيرة، عملت أكثر من 30 سنة في طب الفقراء"، مضيفا "لأنني كنت الوحيد الذي كان له مشروع إخراج 2 مليون تونسي من الفقر، وعملت عليه 3 سنوات (خلال رئاسته السابقة).
وتابع: "لو لم تحدث مصيبة 2014 (خسارته انتخابات 2014 الرئاسية) لما توقف هذا البرنامج".
ويرى المرزوقي أن الصراع بات "بين من يدعم استقلال القرار الوطني واستعادة الثروات، ويدعم محاربة الفساد والعمل من أجل الطبقة الفقيرة، وبين من غالبيتهم من المنظومة القديمة (منتسبو النظام السابق للثورة)".
وأضاف "هم انتصروا علينا في 2014 لأنهم يملكون المال وجزء كبير من الإعلام، ودجنوا الشعب التونسي، لكن المعركة مفتوحة، لأن الجميع يعرف أنه خلال 5 سنوات، هم كانوا يحكمون، والناس رأوا وعودهم الكاذبة" في إشارة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة بتونس.
ولا يستبعد المرزوقي إمكانية "إفاقة" الشعب التونسي، وفهمه لمن "خدعه وضلله"، مستدركا أن من تعرض للخديعة "جزء من الشعب وليس كله"، ودلل على ذلك بأن الانتخابات السابقة (2014) صوت لصالحة قرابة مليون و400 ألف، في مقابل مليون و800 ألف لمنافسه السبسي.
وأبدى تفاؤله في تغير المعادلة، مرجعا ذلك إلى أن بعض من صوتوا لصالح منافسه في السابق، إضافة إلى مليون و700 ألف ناخب مسجل جديد، أغلبهم من الشباب، "سيُغلِّبون القوى التي ستناضل من أجل استعادة استقلال البلاد والدفاع عن الحريات ودفع البلاد في اتجاه مزيد من العدالة الانتقالية".
وتخوف المرزوقي من أن تقوم ثورة جياع خلال الـ 15 عاما المقبلة، في حال لم يحدث ذلك، حيث ستواصل البلاد النهج الذي هي فيه، وهو ما يريد للبلد تفاديه.
وحول حصول أي تغيير في برنامجه، بخصوص العلاقات الخارجية، قال المرزوقي: "لنا علاقات دبلوماسية مع 64 دولة من قرابة 200 دولة، وعلاقاتنا جيدة مع 60 دولة".
وتابع: "علاقاتي جيدة جدا بالدول الغربية، وستكون جيدة جدا بالفضاء الإفريقي، وستكون جيدة بالفضاء المغاربي، خاصة أن الجزائريين سيصبحون قوة فاعلة في تحريك الملف عكس الماضي".
وأضاف المرزوقي، "بخصوص الأربع دول التي علاقتنا بها غير جيدة (لم يسمها) فإن المبدأ بسيط: "نحن لا نتدخل في شؤون أي دولة".
ومضى قائلا: "نحن لم نتدخل في شؤون الإمارات لتغيير نظام الحكم، بل هي التي تدخلت في نظام حكمنا، ومن واجبي الدفاع عن تونس"، مستدركا "ليس لي علاقات سيئة مع الإمارات، بل أدافع عن استقلال تونس وكرامتها ومبادئها".
وتمسك المرزوقي بمواقفه السابقة من النظام السوري، معتبرا أن "قضية سوريا قضية مبدئية عندما تصبح للشعب السوري الحقوق والحريات التي لدى شعبنا ويصبح له نظام ديمقراطي ويتفاهم مع بعضه، آنذاك ليس لي مشكل في إعادة العلاقات".
وبشأن الملف الليبي، يقول المرزوقي: "نحن مع الحكومة الشرعية، التي تدعمها الشرعية الدولية، ونتمنى أن تتفق الأطراف الليبية".
وأضاف المرزوقي: "عندما تتفق الأطراف الليبية، نحن سنتعامل مع الحكومة الشرعية الموجودة في ليبيا أيا كانت.. مع حفتر ضد حفتر هذا ليس مشكلنا بل هم يتفقون فيما بينهم".