جاء تعهد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بفرض ما سمّاها "السيادة اليهودية" على المستوطنات في الضفة الغربية، فيما يراه مراقبون تعبيرا عن "سياسة مبدئية إسرائيلية"، وازدراء بإعلان رئيس حكومة فتح في رام الله محمد اشتية دراسة التعامل مع جميع مناطق الضفة على أنها "المنطقة أ" التي تسيطر عليها السلطة "إداريا وأمنيا".
وأدلى نتنياهو بتصريحاته في مستوطنة "الكانا" غرب سلفيت، قبيل انتخابات "الكنيست" المقررة في 17 من الشهر الجاري، التي يطمح إلى أن تسفر عن توليه رئاسة حكومة الاحتلال مجددا. وفي يوليو/تموز الماضي أصبح نتنياهو صاحب أطول فترة في مقعد رئاسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
ودرج أن يروج نتنياهو لما يصفها "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات، لكنه استخدم في تصريحه الأخير مصطلح "السيادة اليهودية" المزعومة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية البروفيسور عبد الستار قاسم: عملية تهويد الضفة تسير على قدم وساق منذ سنوات، والاحتلال يريد بسط ما يسميها "السيادة" ليس فقط على المستوطنات وإنما على كل الضفة الغربية، مرجحا أن يعمل نتنياهو على سن "قانون ضم الضفة الغربية" كما هي الحال في مدينة القدس المحتلة، ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.
ويوضح قاسم لصحيفة "فلسطين"، أن (إسرائيل) تسير بخطى مستمرة لتحقيق هذه النتيجة.
ووفقًا لتقديرات المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير، فإن (إسرائيل) أقامت منذ إكمال احتلال مدينة القدس سنة 1967، عشرات المستوطنات في محيط المدينة، وأقامت فيها أكثر من 55 ألف وحدة استيطانية على أقل تقدير.
وطرأ بين سنتي 2017 و2018، عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية تصاعد هائل في وتيرة البناء الاستيطاني في القدس، حيث صدق الاحتلال على بناء 1861 وحدة استيطانية جديدة، بارتفاع يبلغ 58% مقارنة بسنتي 2015 و2016.
ومنذ 1967، أقام الاحتلال في الضفة الغربية 198 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو 100 بؤرة استيطانية عشوائية، ويوجد في تلك المستوطنات نحو 675 ألف مستوطن، بحسب مراقبين.
وينبه قاسم إلى أن نتنياهو استخدم مصطلح "السيادة اليهودية" ليقصر المستوطنات في الضفة على اليهود فقط.
ويتابع المحلل السياسي بشأن كلام اشتية حول المنطقة "ج": "لا أعتقد أن نتنياهو يرد عليه؛ لأنه يعلم أن السلطة لن تصنع شيئا، وليست لديها الرغبة ولا القوة لتواجه قرارات الاحتلال الإسرائيلي، فعادة تصدر تلك القرارات وتكتفي السلطة بالإدانة والاستنكار وما شابه ذلك".
ويعتمد نتنياهو في هذا الموقف على أن سلطات الاحتلال تنفذ مخططاتها في الضفة الغربية دون أي اعتبار للسلطة، وفق قاسم.
ويشير قاسم إلى أن تعهد نتنياهو للمستوطنين يمثل سياسة إسرائيلية وليس فقط سياسة نتنياهو؛ إذ إن كل حكومات الاحتلال ووزرائها انتهجوا مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيطان والاستيلاء على المياه وغير ذلك.
ويقول: ربما نتنياهو يتطلع إلى الانتخابات، وأن مثل هذه التعهدات ستساعده، لكن هذه هي سياسة إسرائيلية مطبقة على الأرض ويفترض أن يطور الفلسطينيون استراتيجيات وخطط لمواجهتها.
ويرى أنه إذا أرادت السلطة تطوير تلك الإستراتيجيات فإنها ستكون قادرة على ذلك، لكنه يعتقد أن السلطة "تشجع الاستيطان"؛ على حد تعبيره.
ويفسر بأن السلطة سنت قوانين واتخذت سياسات تحول دون الانتشار السكاني الفلسطيني، مثل الضرائب المرتفعة على تسجيل الأراضي، في ظل عدم وجود مال يكفي لدى المواطنين لتسجيل أراضيهم بالضفة.
ويوضح أنه عندما يفشل المواطنون في تسجيل أراضيهم فإنهم لا يستثمرونها ولا يبنون فيها، وهناك كثير من المساحات غير المسجلة في دائرة تسجل الأراضي بسبب هذه الضرائب في الضفة.
كما أن السلطة –والكلام لا يزال لقاسم- عندما أنشئت على أساس تقسيم الضفة إلى مناطق "أ" و"ب" و"ج" كأنها وافقت على الاستيطان في المنطقة "ج" التي تسيطر عليها قوات الاحتلال أمنيا وإداريا، وتشكل مساحتها أكثر من 60% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.
ويصف قاسم التنسيق الأمني الذي تمارسه السلطة في رام الله مع سلطات الاحتلال بأنه خطير، قائلا: إنه يمثل "حماية" للمستوطنين.
ويرجح المحلل السياسي أن ينفذ نتنياهو تعهداته إذا فاز في الانتخابات المقبلة، وشكل حكومة احتلال جديدة.
التوقيت
"تعهدات نتنياهو لها جانبان: أولهما أنه وحزب الليكود وحكومته اليمينية ملتزمة بضم المستوطنات أو على الأقل الكتل الاستيطانية والجانب الآخر هو التوقيت"؛ والكلام هذه المرة لخبير الشؤون الإسرائيلية د. سعيد زيداني.
وفي حديث مع صحيفة "فلسطين" ينبه زيداني إلى أن ما تحدث به نتنياهو ليس جديدا بل يشكل "مبدأ" بالنسبة له ولقادة الاحتلال، لكن من حيث التوقيت له علاقة بالانتخابات المقبلة، فهو يريد تأييد المستوطنين.
ويتابع زيداني: تصريح نتنياهو "هدية" للمستوطنين ليصوتوا لحزب الليكود، كي يبقى نتنياهو رئيسا لحكومة الاحتلال.
وستكون الانتخابات الإسرائيلية المقبلة الثانية التي تجرى هذا العام. وفاز نتنياهو في الانتخابات التي أجريت في أبريل/نيسان الماضي، لكن دون الحصول على مقاعد كافية لتشكيل حكومة دون الحاجة للائتلاف.
ويوضح زيداني أن نتنياهو ينظر إلى إعلان اشتية على أنه "ليس له قيمة".
وعما إذا كان نتنياهو قد ينفذ تعهداته قريبا، يجيب زيداني: إن ما يهم الأخير في هذا الشأن هو موافقة ترامب، فإذا حصل عليها سيقدم على هذه الخطوة بعد الانتخابات.
ويشير إلى أن "ضم المستوطنات" يحظى بإجماع الأحزاب الإسرائيلية، ولكن هناك من يقول: إنه يجب تنفيذ ذلك بناء على اتفاق، وهناك من يقول: إن (إسرائيل) تستطيع فعل ذلك منفردة.
وبشأن مواقف السلطة الفلسطينية، يقول زيداني: إن السلطة تستطيع أن تعلن وتقول ما تشاء، لكن قوات الاحتلال موجودة في مناطق "ج"، وتستطيع أن تحبط أي عمل تقوم به السلطة.