بين نشارة النجارة وعلى ماكينةٍ لقص الخشب وتشكيله تجلس الفتاة العشرينية سونة، تمسك بيديها قطعةً خشبية تحركها يمنةً ويسرى وفق تصميم مُعين، لتُخرج منها لعبةً للأطفال بطريقة سهلة محترفة، رغم صعوبة المهنة وتعقيدها والحواجز الاجتماعية التي تجاوزتها مع زميلاتها في المعمل.
قرب حدود غزة الشمالية في قرية أم النصر المعروفة بـ"القرية البدوية"، تجتمع تلك السيدات في مركز زينة للمرأة، ليتعلمن مهنتي الخياطة والنجارة ويمارسنهما لصناعة ألعاب الأطفال من القماش أو الخشب، محاولات بها فتح آفاق جديدة وتعزيز الخيال للأطفال.
مركز زينة أبصر النور في عام 2015م ضمن مشروعٍ لتعزيز دور السيدات القرويات وانخراطهن في المجتمع العامل، بتمويل من مؤسسة (فينتو دي تيرا)، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية لنساء القرية بتوفير فرص عمل.
23 سيدة جزءٌ منهن يعملن في الخياطة وأخريات يعملن في النجارة، حيث الخشونة والقسوة، والحاجة للبنية الجسدية والعضلية القوية، إلا أن هذه المعايير لا تعني شيئًا للعاملات هناك، أمام رغبتهن في إيجاد كيان لهن وإيجاد فرصة لتوفير عائدٍ مادي.
سونة سلمان من قسم النجارة تذكر في حديثها إلى صحيفة "فلسطين" أنها تتعامل مع النجارة فنًّا، لا مجرد مهنة، حتى أصبح ذلك شغفًا، فهي تبتكر باستمرار أشكالًا جديدة، وتصميمات تناسب الأطفال.
وعن النظرة المجتمعية إليها تبيّن أن الأمر في بدايته كان صعبًا، إذ الإجماع على عدم صلاحية المرأة للعمل في هذه المجالات، لكن مع الوقت تحولت هذه النظرة إلى إيجابية داعمة لمجهوداتهن، خاصة من الأهل والأصدقاء.
وتشير سلمان إلى أنها تلقت تدريبًا مدة ثلاثة أشهر، تمكنت بفضله من تحويل التصميمات المرسومة إلى قطع خشبية مُشكلة، وتأمل هي وزميلاتها أن يستطعن قريبًا إتقان كل الصناعات الخشبية والنقش والحفر بكل أشكالهما.
على الجانب الآخر تجلس إيمان محمود على ماكينة "الدرزة" في معمل الخياطة، تروي: "انتظرت هذه الفرصة بصبر نافد"، فهي تهوى تعلم الجديد، وتحتاج إلى إيجاد مصدر دخل مادي لها.
وتضيف: "سمعت بالمركز من إعلان كان معلقًا على باب أحد المحال التجارية، فانتزعته واحتفظت به حتى لا أنسى العنوان، البداية لم تكن سهلة، لكن مع التعلم والمحاولات المتكررة أصبح الأمر بسيطًا".
رئيسة مجلس إدارة الجمعية أسماء أبو قايدة التي رافقت فريق "فلسطين" في جولته تقول: "نبعت الفكرة من تدريبات لبلدية أم النصر، فقررت مجموعة من النسوة التواصل مع الداعمين بعد الدراسة وتحديد الاحتياجات، لإنشاء كيان خاص باسم زينة".
وتتابع أبو قايدة: "حصلنا على الموافقة من الجهات المانحة، وتمكنا من مواجهة صعوبات افتتاح جمعية تعاونية، وافتتاح حسابات بنكية، وغيرها من المتطلبات التي كانت شبه مستحيلة تحت الحصار والانقسام".
وتلفت إلى أن منتجات زينة وصلت إلى عدد من الدول الأوروبية والآسيوية، إضافة إلى افتتاح معرض في سويسرا وإيطاليا، ولاقت إعجاب وإشادة الجميع بأفكارها وأشكالها وجودتها، وتشجيع أكبر لكون العمل من تحت أياد نسوية فقط ضمن مشروع يهدف لتمكينهن.
وتنتج المعامل -بحسب إفادة أبو قايدة- أشكالًا خشبية وقماشية، وأخرى تدمج بين الاثنين، تقدم المعرفة والتسلية معًا للأطفال؛ فهي بمنزلة وسائل تعليمية، مثل: عداد الأرقام، والحروف وغيرها.
وتبين رئيسة مجلس الإدارة أن منتجات زينة وصلت إلى العالم كله، لكن القيود المفروضة على حركة الاستيراد والتصدير من الاحتلال والحصار المفروض على القطاع حدت من ذلك، فقد أوصل المصنوعات إلى الخارج زوار الجمعية الأجانب الذين يحملون كميات قليلة فقط.
وتطمح السيدات إلى توسيع نطاق عملهن، واستيعاب عدد أكبر من العاملات النساء، وافتتاح معارض جديدة، ما يساهم في تصدير الألعاب.
وأنتجت الجمعية أكثر من 1700 لعبة منذ إطلاق المشروع، تُباع الواحدة بمتوسط 5 دولارات.