في مثل هذه الأيام قبل خمسين عاماً حرقت دولة الاحتلال المسجد الأقصى. الحريق وقع بيد يهودي يميني أسترالي الجنسية، ولكن يده كانت يد دولة الاحتلال، وثقافته كانت ثقافة الدولة، ونوازعه الشريرة كانت نوازع الدولة والمجتمع الصهيوني. لذا ليس من الإنصاف نسبة الحريق إلى مايكل وحده، بل الأجدى نسبته للمجتمع والدولة اليهودية، التي حرقته حقدا على الإسلام ، وكراهية بالمسلمين، وانتقاما لتاريخ قديم ملأه اليهود بالحقد والكراهية.
نعم. حزن الفلسطينيون، والعرب، والمسلمون، مما أصاب المسجد الأقصى، ومنبر صلاح الدين، من إحراق، ولكنهم فشلوا في ترجمة حزنهم إلى أعمال مناسبة تستخلص القدس والأقصى من الأيدي التي حرقته. الأنظمة نسيت محرقة الأقصى لأنها لا تريد أن تتحمل الواجب وتبعاته، وباتت لا تستذكر الحريق، ولا تقوم بتغطية الذكرى السنوية له، غير أن سكان القدس، والفلسطينيين لم ينسوا يوم الحريق، ولا يتغافلون عن الاخطار التي تحيط به، وربما عبروا عن ذلك بطرق مختلفة، كإحياء الذكرى، والكتابة فيها، والتظاهر في يوم مناسبتها، وفي هذا العام احتفلوا به بطريقة فدائية حيث قتلت مجموعة فدائية، بعبوة ناسفة، مجندة، وأصابت اثنين، بالقرب من مستوطنة دوليف قرب رام الله.
هذه الطريقة الفدائية لتغطية يوم الذكرى آلمت نتنياهو كثيرا، وآلمت رجال الجيش والمخابرات، حتى اجتمعوا على تهديدات تدعو لضم الضفة الغربية، وتوسيع الاستيطان؟! مع البحث عن الخلية الفدائية؟!
المسجد الأقصى يعيش في خلايا الجسد والعقل الفلسطيني، ولن يخرج المسرى من الوجدان الفلسطيني قبل أن يتحرر ويعود للإسلام بلا تدخل من سلطات الاحتلال. وإذا كانت الأنظمة العربية قد تقاعست عن إحياء يوم الذكرى، فإن المرابطين في القدس والضفة وغزة لا ينسون الذكرى، وسيحتفون بها بطريقتهم الخاصة التي تحرق أصابع الدولة التي شجعت على إحراق الأقصى.
خمسون سنة ولأقصى يحترق بنار العدو، وبسياساته، وبانتهاكات المستوطنين لحرمته، وبعدوان الجيش على المصلين فيه والمرابطين على ثراه. خمسون سنة والأقصى ينتظر صلاح الدين، ولكن صلاح لما يأت بعد. خمسون سنة مرت على الحريق، ولكن الحريق ما زال مشتعلا في النفوس المؤمنة، خمسون سنة ونحن نبحث عن المخلص، ولن نتوقف عن البحث حتى يأذن الله بالفرج والتحرير؟!