لم أكن أعلم قبل ساعات الظهر ما سر سعادة والدي المفرطة؟! وما سبب حماسه ودفاعه المستميت عن عمليةالشهيد رائد مسك في وسط مدينة القدس؟ إلا أن صواريخ الاحتلال التي انهمرت على سيارة والدي أجابت عما يدور في خلدي، فالقدس هي قلب الصراع مع الاحتلال، والعمل المسلح هو رأس مال المقاومة في فلسطين، وردع الاحتلال وكبح جبروته مطلب جماهيري، متخاذل كل من يفرط فيه، فلم يتوانَ الشهيد إسماعيل أبو شنب عن الدفاع عنها في وقت حاول البعض الفلسطيني أن يتملّص منها أو يجرمها، لم يكل ولم يمل، يجوب غزة على مدار اليوم معلناً أن المقاومة طريقٌ لا طريق غيره، داس بأقدامه خارطة الطريق التي رسمت لوأد النضال الفلسطيني، رافعاً شعار المقاومة توحدنا.
فمع ساعات فجر الخميس الموافق 21/8/2003، في منزلنا الجديداجتمع قادة حركة حماس برئاسة الشيخ أحمد ياسين لنقاش تطورات المشهد الفلسطيني، استمر الحوار للساعات ، وما أن انتهى اللقاء وأثناء مغادرة القادة وصلت رسالة عاجلة تفيد بطلب عقد لقاء بين وفد من السلطة وحركة حماس، عاودت القيادة الجلوس وكأنه اللقاء الأخير الذي يودع فيه الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيزالرنتيسي والشيخ سعيد صيام والدكتور نزار ريان والأستاذ إسماعيل هنية والدكتور خليل الحية أخاهم أبا الحسن الذي تكفل بالذهاب للحوار في منزل الدكتور محمود الزهار.
ومع اقتراب موعد اللقاء جهز والدي نفسه وعلى الرغم من توافقه مع الدكتور الزهار على أداء صلاة الظهر معاً، إلا أنه قرر الصلاة قبل المغادرة وكأنه يعلم بأن الطريق هي طريق الشهادة، ليختم مسيرة عمل في خدمة فلسطين، لم تكسرإرادته 8 سنوات في سجون الاحتلال، ولا ظلم ذوي القربى، فظل حاملاً شعار فلسطين تجمعنا تحت لواء المقاومة، ليحترق جسده في ذكرى إحراق المسجد الأقصى.
رحمك الله يا أبي فأنت شمعة لا تطفئها صواريخ الاحتلال ولا تطمسها السنوات، 16 عاماً وكأننا نعيش أحداثه اليوم، رحمك الله يا أبي وأنزلك منازل الشهداء، وأية منزلة أعظم! والله عز وجل القائل "بل أحياء عند ربهم يرزقون".