أكتبُ هذه المقالة صباح ثالث أيام عيد الأضحى المبارك، وأبنائي ما زالوا نائمين في انتظار بداية يوم عيد جديد علّهم يقضونه مع أبيهم!
منذ خمسة عشر عامًا، لم أقضِ أيام العيد مجتمعةً بين أهلي وأبنائي، فطبيعة عملي الإعلامي تحتم عليّ العمل في هذه الأيام، لأنه ليس من المنطق أن تتوقف وسيلة إعلامية عن النشر أو البث في أيام العيد، بل على العكس يُعد العيد في عُرفنا الإعلامي موسمًا زاخرًا بالمواد والأفكار والتقارير والبرامج.
أتحدث اليوم عن أولئك الذين فرضت عليهم طبيعة أعمالهم ألا يقضوا الأعياد والمناسبات، في إجازات وراحة ومسامرة مع الأهل، وهم ليسوا الصحفيين فحسب، بل الأطباء والممرضون كذلك، والذين يكونون مجبرين على التعامل مع مناظر الدم والحالات المرضية والعمليات ورعاية كبار السن والحالات الصعبة في أيام العيد، والتي من المفترض أن تكون أيام راحة ولهو، لا أيام عمل!
عمال النظافة، والذين أنهوْا عملهم بعد صلاة فجر اليوم الأول من العيد، تعاملًا مع ما خلفته الأسواق من قمامة، حتى نخرج جميعًا لصلاة العيد في شوارع نظيفة ومنظر مقبول، لكنهم أيضًا لم يحالفهم الحظ أن يبقوا بين أهلهم في العيد، فبعد ساعات عادوا للعمل ليرفعوا روث ومخلفات الأضاحي من الطرقات، حتى لا تسبب مع روائحها الكريهة ومنظرها القبيح، تلوثًا بيئيًا.
رجال الشرطة والأمن، فإن عدم وجودهم في العيد، يعني فقدان النظام والأمان والاستقرار والراحة النفسية، ولكم أن تتخيلوا شرطيّ المرور الواقف تحت الشمس وسط المفترق ينظم حركة السير.
المجاهدون المرابطون على الثغور، الضاغطون على الزناد، يقفون في أيام العيد على خطوط النار، يحملون أرواحهم على أكفهم، يواجهون الخطر كل لحظة، وأهلهم من خلفهم فرحتهم قلقة مرتبكة حتى يعودوا سالمين إليهم.
هؤلاء جميعًا وغيرهم الكثيرون، صحيح أن فرحتهم غير مكتملة، وراحتهم ليست كافية، لكنهم اختاروا هذا الطريق منذ البداية راضين به، وعلموا أن رسالة عملهم تتطلب منهم العمل في وقت الإجازات، والجِد في وقت المزاح، والتعب في وقت اللعب، لذا فإنني استثمر هذه المقالة لأقول لهم: كل عام وأنتم بخير، وأعانكم الله على أداء رسالتكم أولًا، وعلى تعويض أهلكم وأبنائكم عن غيابكم في أيام العيد.