فلسطين أون لاين

الاحتلال يتلاعب بمشاعر ذويه ويرهقهم بالإجراءات

تفريق بين المرء وزوجه.. الأسير "السيّد" محروم من "زيارة العيد"

...
طولكرم-غزة/ نبيل سنونو:

أخيرًا وصلت زوجة الأسير المحكوم بـ35 مؤبدًا و100 سنة، عباس السيّد، إلى الحاجز الذي ستمر عبره لزيارته في سجن ريمون، حيث انتظرها طويلا خلال سبعة أشهر من المنع، لكنّ الاحتلال الذي منحها التصريح هو ذاته الذي أرجعها هذه المرة أيضًا إلى حيث أتت.

منذ أسر السيّد في 2002 منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إخلاص "أم عبد الله"، زوجة السيد من زيارته لمدة سبع سنوات، قبل أن تتمكن بتدخلات من مؤسسات حقوق الإنسان من الحصول على تصريح لزيارته مرة أو مرتين كل ستة أشهر، لكن مع ذلك منعها الاحتلال للمرة الثانية في الفترة الأخيرة من الوصول فعلا إلى سجن ريمون.

بعدما تجاوزت أم عبد الله كل القهر المتجسد بقسوة الإجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال، سواء عند تقديم الهوية أو الحصول على تصريح وغير ذلك – تقول زوجة الأسير لصحيفة "فلسطين"- ووصلت إلى أحد حواجز الاحتلال انطلاقا من مدينة طولكرم، أبلغها جندي إسرائيلي بأنها مرفوضة أمنيا، بعدما تفحص أجهزة الحاسوب.

"التصريح من عندكم، لماذا ترجعوننا؟" ظلت أم عبد الله تتساءل تارة في ذاتها، وأخرى في صفحتها في موقع فيسبوك.

وفي المنشور المذكور قالت: "الحمد لله، اليوم كانت لي زيارة لزوجي الأسير عباس السيد في سجن ريمون، ولكن يا فرحة ما تمت. للأسف أرجعوني عن الحاجز للمرة الثانية خلال سبعة أشهر، ومعي تصريح ساري المفعول.. ما دام برجعوا الناس ليش يعطوهم تصاريح؟ وين السلطة (الفلسطينية) من زيارات أهالي الأسرى وما يتعرضون له من ذل وقهر وعذاب؟ يا رب يخلصنا من الزيارات، عن جد تعبنا".

ومراحل الانتظار على الحواجز الاحتلالية ليست سهلة، بل يتخللها تفتيش وصولا للمرحلة الأخيرة المتمثلة بالصعود إلى الباصات، وهنا تتفنن قوات الاحتلال في إرجاع من تشاء دون سبب، وهو الموقف ذاته الذي عانت منه لدى توجهها لزيارة زوجها قبل سبعة أشهر.

لكن خلف القضبان تفاصيل أخرى للمعاناة، حيث يقبع الأسير السيّد ويبلغ فيه الشوق مبلغا إلى زوجته وابنته مودة (21 عاما) وعبد الله (19 عاما).

كيف سيكون رد فعل الأسير السيد و"نار الشوق" تغلي في داخله عندما يعلم أن زوجته ممنوعة من الوصول إليه؟ إنه سؤال تصعب الإجابة عنه بالكلمات.

يتجاوز "السيد" "جراحه" ويشرع كلما أتيحت له فرصة اللقاء في الاطمئنان على زوجته، وأحوال ابنيه، محاولا تصوير كل شيء على نحو مثالي بعكس الواقع، حتى لا تقلق أسرته، بل إنه يوصي بالمعنويات العالية، والدعاء، والثقة بالله، والكلام لأم عبد الله.

وخلال كل هذه السنوات من السجن لم تتمكن أم عبد الله من زيارة زوجها إلا مرات معدودات، وكانت الزيارة الأخيرة في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وكيف يمكن لأم عبد الله أن تشرح لزوجها مرارة معاناتها، وهو الذي يقبع في قلب المأساة، والإهمال، والتعذيب النفسي وربما الجسدي.

وحتى إذا تمكنت زوجة الأسير السيد من زيارته فإن سلطات الاحتلال تحرمها مقابلته وجها لوجه.

تفصل سلطات الاحتلال بين الأسير وزوجته بلوح زجاجي، وتجبرهما على الحديث عبر جهاز تليفون مؤقت بـ45 دقيقة فقط، يبدأ عدها من لحظة إمساكهما بالسماعة، تمر كما لمح البصر، ولا تطفئ لهيب الاشتياق.

إنها رحلة يتصبب فيها ذوو الأسرى عرقا، ويصيبهم خلالها الألم الجسدي من طول الانتظار والإجراءات.

تقول إخلاص: "نغادر بيوتنا منذ الصباح للزيارة، ثم نرجع عند التاسعة مساء"، مشيرة بذلك إلى المشوار المرهق وصولا إلى السجن.

ولا يسمح الاحتلال لعبد الله، نجل الأسير، بأن يزور أباه إلا مرة كل ثلاثة أشهر، وفي كل منها يوصيه بأمه وأخته.

ويضطر عبد الله إلى أن يسلك الطريق الشاق ذاته كلما أراد زيارة والده الأسير.

"مفاجأة"

ولطالما سعت أم عبد الله إلى إسعاد زوجها (53 عاما) حتى داخل السجن، وقد طلبت ذات مرة من الأسرى عبر المحامي شراء قالب من الكيك له عندما حلت ذكرى يوم ميلاده في 13 مايو/ أيار الماضي، وصنعوا له ما استطاعوا من الحلوى، وفاجؤوه بذلك.

وكلما حلت هذه الذكرى تجمع أسرتها في احتفال، وترسل له الصور إلى السجن.

وهذه المرة تزامنت جريمة الاحتلال الإسرائيلي في منع إخلاص من زيارة زوجها مع قرب حلول عيد الأضحى.

عن ذلك تقول إخلاص: شعار الأسير عباس السيد دائما، رغم الألم والقهر والبعد، هو الاحتساب، وإظهار البهجة بالعيد، لأن ذلك سنّة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وصحيح أننا نؤدي واجباتنا التي تظهر تلك البهجة لكن "الغصة كبيرة".

وكم تتمنى أن ينكسر القيد عنه ليعيش مع أسرته كباقي الأُسَر في هذا العالم. تضيف: "المناسبات لها وقع آخر على أنفسنا، لكننا مؤمنون بالقضاء والقدر".

وتفضح أم عبد الله الذرائع الأمنية التي يسوقها الاحتلال، مبينة أن من حقها في القانون والأعراف الدولية زيارة زوجها الأسير، لكن الاحتلال يمنعها من ذلك في محاولة "لتحطيم الأسير نفسيا".

وتتساءل عن مؤسسات حقوق الإنسان ودور السلطة في الدفاع عن الأسرى، لافتة إلى حال زوجها الذي لا شك أنه أصيب بالضيق بعدما رأى ذوي بعض الأسرى يتمكنون من زيارتهم، في حين هو محروم من ذلك، حتى بعد طول انتظار.