الوجع الدائم، والموت البطيء، والعذاب المتجدد، هو معبر رفح البري. بعد (٨٥) يومًا من الإغلاق التام، فتحت السلطات المصرية معبر رفح لسفر الحالات الإنسانية. استقبل سكان غزة قرار فتح المعبر، وقرار وقف التعامل بكشوف التنسيقات المصرية بالترحاب والأمل. ولكن هيهات من أين يأتي الأمل، والجهات المسئولة عن المعبر تمارس تمارين إذلال وقهر لسكان غزة، ممن هم في حاجة ماسة للسفر.
تقول وزارة الداخلية في غزة إن مجموع من سافروا في يومي الأربعاء والخميس بلغ (٧٣٩) مسافرًا، بنسبة ٢٪ من المسجلين للسفر كحالات إنسانية مضطرة إليه. ومن ضمن هذا العدد سافر ما مجموعه (٢٥٠) مسافرًا من كشوف التنسيقات المصرية ومن حملة جواز السفر المصري؟! وعليه يكون مجموع من سافر من خارج التنسيقات والجوائز المصري هو ٧٣٩ ناقص ٢٥٠= ٤٨٩ مسافرًا.
وتفيد وزارة الداخلية بأن الجانب المصري أوقف عمل المعبر أمام المغادرين لمدة (٧) ساعات لإجبار الطرف الفلسطيني على إدخال كشف التنسيقات؟! ومن المعلوم أن الطرف المصري أبلغ الداخلية بغزة يوم الثلاثاء أنه ألغى كشوف التنسيقات، وهو ما رحبت به الداخلية.
بعض المواطنين لا يعرف ماذا يعني كشف التنسيقات؟ الإجابة نجدها في تقارير وتحقيقات وسائل الإعلام، حيث تقول إن كشف التنسيقات يجري إعداده بالتفاهم بين شخصيات فلسطينية وطرف مصري، في مقابل دفع الراغب بالسفر مبلغًا من المال، ويقال إن المبلغ يتراوح بين (٢٠٠٠-٣٠٠٠) دولار، وهذ الكشف يأخذ الأولوية للسفر عن فتح المعبر، وتحاول وزارة الداخلية مقاومة هذا الإجراء لكنها عادة ما تمنى بالفشل، لأنها لا تملك من الأمر شيئًا، وتخشى من تداعيات النقد الإعلامي على المعبر وعلى السكان.
لم تتحدث الداخلية بشكل توضيحي عن المسألة، ولكن المسافرين الذين فقدوا الأمل في السفر يتحدثون عن ذلك بمرارة، وعيونهم تفيض من الدمع حزنًا على ما فاتهم من علاج، أو إقامة، أو مقاعد دراسة. البكاء كان سيد الموقف في يومي الأربعاء والخميس على معبر رفح؟! البكاء كان القاسم المشترك بين الرجال والنساء من كبار السن والمرضى، وكان لغة الأطفال الدائمة على مدار ٤٨ ساعة.
مرضى السرطان فقط هم من امتنعوا عن البكاء، لأن مرضهم القاتل حبس الدموع، نعم كانت لديهم رغبة في البكاء تعبيرًا عن المأساة، لكن المرض الخبيث قتل غدد الدمع عندهم، ومع ذلك فقد شاركوا الآخرين بقلوبهم، واستلقى بعضهم على الإسفلت احتجاجًا على ما أصابه من إذلال.
لم تجد الداخلية في غزة حلًا ولا علاجًا، العين بصيرة واليد قصيرة، ومن القهر طلبت الداخلية من الجهات المسئولة البحث عن بديل لمعبر رفح؟! وهي تعلم مسبقًا أنه لا بديل؟! وأن الحديث في البدائل محرم وغير جائز؟! وليس أمام السكان غير الشكوى إلى الله جل في علاه، فهو من يسمع الشكوى، وغيره يتلذذ بآلامك حين تشكو، وحين تبكي، وحين تصرخ. ليس لدي حلّ، وليس لدى غيري حلّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم افتح لنا بابًا من أبواب رحمتك يغنينا عن معبر رفح، وعن وجعه الدائم، وعذابه المتجدد.