بقلب مكلوم، تستذكر الحاجة رسمية الطيراوي آخر الكلمات التي سمعتها من نجلها هاشم في آخر مكالمة هاتفية بينهما قبل نحو أسبوعين، حينما طلبت منه القدوم من عمله لفتح باب منزلها الواقع بمخيم بلاطة شرقي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
"يما هيني جاي مسافة ما أصل" تلك الكلمات كانت رده على طلب أمه عندما اتصلت به لتخبره بضياع مفتاح المنزل منها، ليطول الانتظار ودون رد إلى الأبد بسبب "طلقة من أمن السلطة" أصابت بطن هاشم وقلب أمه ألمًا.
وكان الشاب الطيراوي قد أصيب بجراح خطيرة قبل نحو ثلاثة أسابيع عندما أطلقت قوة من أمن السلطة النار على سيارة تقل عددًا من الشبان بالقرب من المخيم، نقل على إثرها إلى مستشفى رمبام في حيفا في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، قبل أن يعلن عن وفاته أول من أمس.
رافقت "أم عطا الله" ابنها العشريني إلى مستشفى رمبام، لتفجع بخبر وفاته من الأطباء.. تضرب كفًا بكف.. "راح هاشم"، لتدخل بعدها في صدمة نفسية لا زالت آثارها قائمة.
تقول والدته لصحيفة فلسطين: "مات مظلومًا، وفتحوا له صدره وضل ينزف.. أخد 50 وحدة دم".
وبكلمات تمتمها بألم ختمت الحاجة المكالمة الهاتفية: "الله يرضى عليك ويرحمك يما، حسبي الله ونعم الوكيل في اللي ظلموه"، محملة السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن مقتل ابنها.
وكانت قوّة أمنيّة تقوم بدوريات قرب مُخيّم بلاطة قبل أسبوعين حينما أوقفت المركبة التي كان يقودها الشاب الطيراوي، ووقعت مشادة كلاميّة مع أحد عناصر الأمن، فانطلق الشاب بمركبته، إلا أنّ القوّة الأمنيّة أطلقت النار عليه ما أدى إلى إصابته بجروح خطرة، استدعت نقله من مستشفى رفيديا في نابلس إلى مستشفى "رمبام" في حيفا المحتلة.
ونددت عائلة الطيراوي بـ"القتل العبثي وحالات القتل التي تمارسها أجهزة أمن السلطة وبعض العناصر المعروفة لدى الجميع في ظل وجود تعليمات واضحة بحيثيات وحالات إطلاق النار من عدمه"، مؤكدة أن عملية إطلاق النار على هاشم "غير مبررة على الاطلاق ولن تمر مرور الكرام".
ودعت العائلة في بيان لها، إلى وقف الفلتان القانوني ومحاسبة المسؤولين عن ذلك "وإلا فليأخذ كل ذي حق حقه بيده"، متسائلة: "إلى متى هذا الاستهتار والاستخفاف بأرواح البشر؟ وإلى متى ستبقى آلة البطش المتمثلة باسم القانون تفتك بأبنائنا وتهتك بإنسانيتنا؟".
كما تساءلت "إلى متى ستبقى رصاصات من ظنّنا بأنهم حماة الوطن مصوبة نحو صدور أبناء شعبنا؟، فبالأمس القريب ودعنا الكثيرين من خيرة شبابنا بسبب الأخطاء والاستخفاف بأرواح البشر من قبل الأمن الفلسطيني وإطلاق النار دون مبرر على أبناء جلدتهم".
وجاء في البيان: "نحن جميعًا مع سيادة القانون، ولكن ما نشاهده ونلمسه اليوم هو فلتان قانوني بامتياز، لا رقيب ولا حسيب ولا رادع لمن يقتل أبناء شعبه دون وجه حق، ويستخفون بأرواح البشر باسم القانون".
وتابعت العائلة: "نحارب المظاهر السلبية بأشكالها كافة لكن اليوم لابد من محاسبة ومحاربة من يمارس القتل باسم القانون(..) وأبنائنا لا نتنازل عن حقهم بالحياة الا لأجل الله والوطن".
سادت حالة من الغضب مخيم بلاطة بعد إعلان وفاة الشاب الطيراوي، حيث أغلق الشبان شارع القدس الذي يعد المدخل الجنوبي لمدينة نابلس، وأضرموا النار في إطارات السيارات.
ولا زال المخيم يعيش حالة من الغليان، وفق ما أفاد شهود عيان لصحيفة "فلسطين"، مؤكدين أن عائلة الطيراوي وشباب المخيم لم يدفنوا هاشم حتى اللحظة، ويطالبون السلطة الفلسطينية بإقرار مسؤوليتها عن الجريمة بشكل كامل.
يُذكر أنّ مُخيّم بلاطة شهد لسنوات أزمة اشتباك وخلاف دائم مع أجهزة أمن السلطة، فرضت على أهالي المُخيّم سنوات من المُعاناة اليوميّة مع حالة أمنيّة وضعتهم ما بين الخطر اليومي الذي أودى بحياة عدد من أبناء المُخيّم برصاص الاشتباكات، والضرر الذي طال منازل ومحال تجاريّة للأهالي.