يصر البعض على وضع أقوال الآخرين وتصرفاتهم تحت سيف التحليل، فيسلطون الضوء على كل قول وفعل ويسعون إلى تفسيره وفق آرائهم ومن منظورهم النفسي والفكري، ولا يكتفون بالظاهر أبدا، بل يبحثون عمّا وراء السطور، مما قد يجر الموضوع إلى مربعات أخرى تفتك بالعلاقة القائمة بين أطراف الحديث أو الموقف.. فما سبب تنصيب البعض أنفسهم محللين لتصرفات غيرهم؟، وهل يتعلق ذلك بسمات شخصياتهم؟، هذا ما نتحدث عنه في السياق التالي:
لإيجاد مبرر
عبير مراد (27 عامًا) مقتنعة بأن الكثير من الناس أصبحوا لا يكتفون بترك الأقوال والأفعال على حقيقتها وكما حدثت أمامهم، بل يخضعونها للتحليل والتأويل والتدقيق والتعمق الذي يجر أطراف الحديث أو الموقف إلى الهاوية في أغلب الأحيان، وذلك بسبب السعي لفهم ما وراء السطور.
وقالت: "في الأغلب من يلجأ للتحليل بهذه الطريقة لا يكون من الأشخاص المقربين جدًا، ويكون مقصده افتعال المشاكل، والهروب من الموقف ذاته، والبحث عن نقطة سلبية فيه بهدف إيجاد مبرر لسوء معاملته للأطراف الأخرى".
وفقًا لاعتقاداته
بينما صابرين أحمد (28 عامًا) قالت إن "الشخص الذي لا يأخذ الموقف بعفويته وتلقائيته، بل يضعه تحت سيف تحليلاته ويحاول قراءة ما وراءه، إنما هو شخص من ذوي النفسيات المريضة، كما أنه في الغالب عندما يتحدث مع الآخرين لا يكون عفويا".
وأضافت: "لا يُنتَظر من هذه التحليلات إلا كل شيء سيئ، فصاحبها يميل إلى إثارة المشاكل بسبب سوء ظنه، وفي حال كان يتعامل مع أناس يبادلونه الطريقة ذاتها في التفكير فإن الطرفين سيتحولان إلى راصدين ومحللين لكل قول وكل فعل".
وأشارت إلى أن الشخص في الغالب يخمن التفسيرات وفقًا لاعتقاداته، مما قد يؤدي إلى مشاكل لتفسير الموقف بتفسيرات غير واردة ومتحيزة.
سمات شخصية
وفي السياق ذاته، قال الأخصائي النفسي والتربوي إسماعيل أبو ركاب: "لكل شخص منا نمط شخصية خاص فيه، ولذلك فإن كثرة تحليل المواقف ووضعها تحت المجهر سمة من سمات الشخصية للبعض، وهذا السلوك طبيعي إذا كان في حدود المعقول".
وأضاف لـ"فلسطين": "أما إذا أصبح الأمر أكثر حدة، واعتاد صاحب ذلك السلوك أنه يدقق في تفاصل كل تصرف أو قول ويخضعه للتحليل والتفسير، فهو بذلك يكون قد جمع بين السمات الشخصية، والتي جزء كبير منها يعود إلى الجانب الوراثي، وبين الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، إذ تعلم تلك السلوكيات من الأسرة أولًا، ويمثلها الوالدان، ومن ثم من المحيط الاجتماعي، ويمثله الشارع والمدرسة والأصدقاء".
وأشار أبو ركاب إلى أن الشخصية الانبساطية تميل إلى التفسير والتحليل والحكم على الأشياء في الظاهر، وبعض أصحابها يميلون إلى الاسترسال في الاستفسار والحديث عن أنفسهم ومعرفة طبيعة سلوك الآخرين، بعكس الشخصية التعقيدية والتي تتميز بالانكفاء والانطواء وتبتعد عن التحليل والتفسير ومتابعة التفاصيل وتكتفي بالقليل من المعلومات.
ومن وجهة نظره، فإن من يقومون بذلك السلوك لا يشعرون بالحرج مما يفعلون، بل يرون أن متابعة وتحليل شخصيات وسلوكيات الآخرين أمر ضروري لمعرفة آليات الحكم عليهم والتصرف في المواقف المختلفة، فهم أكثر حرصًا من غيرهم، ويظنون أن سلوكهم مصدر قوة لهم، وسبب لبقاء تفاعلهم مع المحيط الاجتماعي الذي يعيشون فيه.
وبيّن أبو ركاب أن الحكم على الآخرين وافتراض الأسوأ له آثار جانبية سلبية، ومتابعة أمور الناس سلوك غير سوي وله ما بعده، فقد قيل "من راقب الناس مات همًا"، مشيرا إلى أن أغلب الأشخاص الذين يعانون من هذا السلوك يحكمون على ظواهر الأشياء، ويكون رد فعلهم على تصرفات الآخرين سريعًا، مما يعرضهم للانتقاد والتجريح.
ونوه إلى أنه مما يزيد الأمور تعقيدًا أن يكون سلوك التحليل وتفسير كل حركة أو قول في بيئة العمل، فهنا نجد أن الاحتكاك المباشر والدائم مع الزملاء يولّد كمًا كبيرًا من المشاكل للطرفين.
ولفت أبو ركاب إلى عدم شعور من يميلون إلى التحليل بوجود مشكلة في تصرفهم، يجعل من الواجب على المحيطين بهم إشعارهم بخطورة سلوكهم.
وأوضح أن التعامل مع هؤلاء يجب أن يكون بحذر، ولا بد من تجاهل سلوكياتهم، لافتا إلى أن عدم إتاحة الفرصة لهم لكسب المواقف لصالحهم هو رادع قوي يمنعهم من الاستمرار في ذلك السلوك.