فلسطين أون لاين

لتربية سليمة.. ​حرية التعبير للطفل مكفولة

...
غزة - مريم الشوبكي

"اسكت أنت صغير"، "عيب تسأل هيك سؤال".. هذه العبارات وغيرها يعدّها بعض الآباء أسلوبًا تأديبيًا مهمًا لتعديل سلوك أبنائهم، ولا يعون أنها عبارات هادمة لشخصياتهم، ومن شأنها أن تقيد حريتهم في التعبير عن مشاعرهم، وأن تجعل ثقتهم بنفسهم معدومة، وقد يصل الأمر إلى حد إصابتهم باضطرابات نفسية وسلوكية أيضًا.

ترك مساحة للطفل ليعبر عن مشاعره وانفعالاته، وإطلاق العنان له ليتحدث دون خجل أو تردد عمّا يدور في ذهنه، والسماح له بطرح أي أسئلة تشغل فكره وتحتاج إلى إجابات تشبع فضوله، هي علامات تعني أنك تربي طفلًا متزنًا نفسيًا، وقادرًا على نسج علاقات اجتماعية سليمة.

لأنه يقلّد

"أفنان صيام" أم لثلاثة أطفال أكدت أن ترك مساحة من الحرية للطفل حتى يعبر عن شعوره أمر مهم، موضحة: "نرى الآثار الإيجابية لهذه الحرية منعكسة علينا وعليه في كل وقت وفي كل مكان، علينا فقط أن نبدأ بأنفسنا نحن أولياء الأمور، وأن نتصرف أمام أبنائنا بكل عفوية، وأن نحسن التعبير عمّا نراه أو نمر به من أحداث".

وبيّنت: "فالطفل بطبعه يميل إلى التقليد، فإذا نشأ في بيئة تسود فيها أجواء الحوار والنقاش السلمي الإيجابي فلا خوف عليه من مجابهة الحياة ومعتركاتها".

فلنبدأ بأنفسنا

فيما أعربت "فاطمة سلامة" عن قناعتها بأن التعبير هو لغة الحياة، قائلة: "علينا أن نبدأ بأنفسنا نحن الأمهات والآباء، فنتعلم أن نشعر ببعضنا، ونُخرج ما بداخلنا من مشاعر في الحزن وفي الفرح، وسأل عن أحوال بعضنا البعض، وأن نحتضن أبناءنا لنشعرهم بأن لديهم سندًا يعتمدون عليه، ونترك لهم الوقت كي يعبروا عما بداخلهم".

وأضافت: "التعبير عن الرأي شيء رائع جدا بالنسبة للطفل، فهو يقوي شخصيته، ويسهم في تعلمه المشاركة والتفاعل مع الآخرين".

كبرتُ بخوفي

وتحدثت "حليمة" عن تجربتها الشخصية مع كبت والديها لمشاعرها ومنعها من التعبير عنها، فهي نتيجة لسلوك والديها تمتلك شخصية مهزوزة، وتعاني من عدم الثقة بالنفس، وتصيبها رهبة عند مقابلة الناس والتعامل معهم، لذا تفضل الانسحاب وعدم التواجد في أي تجمّعات، ومن هنا انعدمت فرصها في خوض تجارب الحياة، كما قالت.

وأضافت: "والآن بعد أن تجاوزت الثلاثين من عمري، ما زلت أُصاب بتأتأة حينما أتحدث مع صديقاتي أو أهلي أيضا، وأخاف من العواقب التي ستترتب عند التحدث عما أشعر به سواء مشاعر سلبية أو حتى إيجابية؛ لأني لا أفرق بين الصواب والخطأ، أي ما يجدر أن أتحدث به وما عليّ الامتناع عن البوح به".

بحاجة للعاطفة

ومن جانبه، بيّن الأخصائي النفسي زهير ملاخة, أن الطفل في مراحل النمو في حياته بحاجة إلى قدر كبير من العاطفة، أي كبت في السلوك يدل على انفعالات الأهل ومنعه من الحديث أو حتى امتناعهم أيضًا عن التحدث معه، التعبير عن المشاعر يرتكز أساسًا على تعامل الوالدين.

وأوضح ملاخة في حديثه لـ"فلسطين" أن منع الطفل من التعبير عن مشاعره بحرية يصيبه باضطرابات سلوكية مختلفة، منها الفزع الليلي، والتبول اللاإرادي، وقضم الأظافر، والإهمال الجسدي من حيث شكل ملابسه ونظافته، والعدوانية المفاجئة.

ونوه إلى أن استخدام الأسلوب القمعي من قبل الوالدين أو التجاهل العاطفي للطفل يؤثران في شكل تفاعله معهما، كما أن كبح سلوكيات الأطفال الفطرية كخروجه في رحلات أو اصطحابه للتنزه يطمس لديه التعابير النفسية ويحول دون تكوين المهارات الشخصية عنده.

وأشار إلى أن استخدام بعض أساليب الكبح وعدم تمييز الآباء بين الخجل والحياء ومواجهة أي سؤال لطفلهم بكلمة "عيب" يجعله مفتقدًا للجرأة والمبادرة في التعبير عن مشاعره، وكذلك منعه من اللعب مع أقرانه من الجنس الآخر يصيبه بعدم القدرة على التعبير عن مشاعره وعدم التمييز بين الصواب والخطأ، كما أن الطفل يتأثر في هذا الجانب سلبًا بفعل غياب ابتسامة الآباء وحنّوهم عليه قبل بلوغه عامين من خلال مشاركتهم ليومياته بإطعامه واحتضانه.

ونبه ملاخة على أن تقييد حرية الطفل في التعبير عن مشاعره يحد من ذكائه العقلي والوجداني ومهاراته الاجتماعية، وفي الكبر تتكون لديه أفكار سلبية تجاه الوالدين والمجتمع، ويعاني من تدني مستواه الدراسي، ويبحث عن الجرأة في بيئات بعيدة عن الأسرة.

الترفيه والاحترام

وشدد ملاخة على أن الوالدين عليهما أن يكونا ودودين مع الأبناء خاصة في مرحلة الطفولة قبل سن 12 سنة، وتشجيعهم على الحديث والإجابة عن أسئلتهم، لما لذلك من تأثير في تشكيل سلوكهم وتعاملاتهم ومهاراتهم الشخصية.

ولفت إلى أن الألعاب الترفيهية بين الأبناء والآباء تكسر الحاجز النفسي بين الطرفين، مما يساعد الطفل على التعبير عن انفعالاته، وكذلك سؤالهم الدائم عما يزعجهم، والطلب منهم إبداء آرائهم في بعض المواقف.

وأكد ملاخة أن غرس القيم الفضيلة ومعاني الاحترام كلها أمور تقوّي من شخصية الأبناء وتولد لديهم الشجاعة القائمة على الاحترام في التعبير عن مشاعرهم.