يتحدث معالي وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان عن أهمية العدالة في تطبيق خطة "مكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية في لبنان" التي بدأ في تنفيذها يوم 11 تموز/ يوليو وبأن القانون لا استثناء فيه وبأنه يجب أن يسري على الجميع بمن فيهم اللاجئ الفلسطيني "الأجنبي".
في التعاطي مع اللجوء الفلسطيني، يُعتبر لبنان حالة شاذة بعيدة عن الإجماع الإقليمي والدولي، وهي الحالة الوحيدة التي ليس لها مثيل في العالم، بأن يعامل اللاجئ الفلسطيني وبعد مرور أكثر من 70 سنة على طرده من بلاده بمعاملة أقل من لاجئ وأقل من أجنبي؛ ففي سوريا مثلًا يحصل اللاجئ الفلسطيني على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية كاملة وفق مراسيم وتطبيقات، واللاجئ الفلسطيني في الأردن بالإضافة إلى حقوقه الاقتصادية والاجتماعية يحصل على حقوقه السياسية وفق مراسيم وتطبيقات، وفي أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة يعامل اللاجئ الفلسطيني معاملة المواطن الفلسطيني.
لا شك بأن التعاطي الخاطئ للكثير من الساسة اللبنانيين وعلى مدى عقود هو من ساهم في صناعة هذا اللاجئ المنتفض عليهم اليوم والذي يحلو لهم أن ينعتوه بمختلف الصفات السلبية ومن حين إلى آخر، هم من حرموه من حقوقه المشروعة بالعمل والتملك والاستشفاء والتعليم وإنشاء المؤسسات باسم رفض التوطين والحفاظ على حق العودة، وحوَّلوا مخيماته إلى سجون كبيرة بقيت على نفس المساحة من عام 1948 يعيش فيها ثلاثة أجيال، حوْلها أبراج حراسة وأسلاك شائكة وجُدر إسمنتية، ومارسوا بحقه مختلف أنواع الإذلال وإهانة الكرامة وجردوه من ملابسه كاملة في أثناء التفتيش على حواجز المخيم، ومنعوا عنه إدخال مواد البناء... وبعد مرور عقود من هذا الوضع الشاذ وغير الطبيعي يريدون شمله اليوم في تطبيق العدل والقانون؟!
لا يمكن ولا بأي حال من الأحوال لا وطنيًا ولا إنسانيًا ولا سياسيًا أن يتم تطبيق قانون العمل سواسية بين العامل الأجنبي الذي وبملء إرادته يستطيع أن يعود إلى بلده إذا ضاقت به السُبل، وبين العامل الفلسطيني الذي لا يستطيع العودة إلى بلده وقت يشاء وهو اللاجئ المطرود من بلده المحتل، وموجود في لبنان قسرًا من أكثر من 70 سنة.
اذا كان يريد معالي الوزير أن يطبق القانون على الفلسطيني باعتباره أجنبيًّا، فهل يستطيع أن يؤيد ويقبل بأن يتم إعطاء اللاجئ بقية حقوقه كأجنبي، وهنا نتحدث عن حق التملك مثالًا لا حصرًا؟! وقد قالها معالي الوزير في مقابلة تلفزيونية عندما سُئل إن كان يوافق على إعطاء اللاجئ الفلسطيني في لبنان حقوقه المدنية فأجاب بالنفي، والغريب بأن لماذا يسمح للأجنبي الذي يمكن أن يمتلك جنسية إسرائيلية أخرى بأن يتملك في لبنان ولا يحق للفلسطيني "الأجنبي" التملك خارج المخيم؟ وبالمناسبة الحق في التملك والحق وفي العمل وغيرها يجب أن يحصل عليها الفلسطيني في لبنان كونه يحمل مسمى لاجئ، ولبنان شارك في صياغة ووقع على بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 وتتضمن توفير الحقوق المدرجة.
بلغة الأرقام نتحدث عما يقارب من 30 ألف لاجئ فلسطيني فقط يعمل في لبنان؛ حسب وكالة "الأونروا" لسنة 2018-2019 يوجد أكثر من 550 ألف لاجئ فلسطيني مسجل، وحسب الإحصاء الذي أجرته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بالتنسيق مع دائرة الإحصاء الفلسطيني في رام الله لسنة 2017 يوجد في لبنان حوالي 175 ألف لاجئ وهذا بسبب حالة النزيف وهجرة اللاجئين من لبنان نتيجة أسباب مختلفة، وحسب تقديرات معظم مراكز الدراسات والمؤسسات الأهلية يوجد ما يقارب من 230 إلى 250 ألف لاجئ وهو الحجم الحقيقي للاجئين في لبنان، وبالتالي يوجد في أوساط اللاجئين ما بين 30 إلى 35% تحت سن 18 سنة هؤلاء لا يدخلون في القوى العاملة للاجئين، بهذه الحالة نكون قد خصمنا الثلث تقريبًا، وعلى مستوى مشاركة المرأة، فالنساء في الوسط الفلسطيني الغالبية منهم لا تعمل، إضافة إلى أن 56% من حجم القوى العاملة لا يعملون حسب دراسة "الأونروا" في 2015، وجزء مِمَّن يعمل هم داخل المخيمات، عدا عن أن ما ينتجه العامل الفلسطيني ينفقه في لبنان وبالتالي لا يشكل العامل الفلسطيني أي عبء..
جميع الدراسات الدولية العالمية بما فيها مشروع هملتون الذي يتبع مؤسسة بروكنز أحد أكبر مراكز التفكير العالمية تحدث عن الاستفادة من حالات اللجوء وأهميتها في تنمية بلد اللجوء، لذلك من مصلحة لبنان اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا الاستفادة من العامل الفلسطيني اللاجئ وتوفير كامل حقوقه، وفي هذا هو العدل في تطبيق الاستثناء من القوانين، وإذا كان من مشكلة في نصوص القوانين، فلتغير تلك النصوص لمصلحة اللاجئ الفلسطيني ومصلحة لبنان.