حين رحّبت الفصائل الفلسطينية بقرار عباس وقف العمل بالاتفاقيات المعقودة مع دولة الاحتلال جاء ترحيبها بصيغة (نعم، ولكن). يقصدون نعم للقرار، ولكن قيمة القرار في تنفيذه، وليست في القرار نفسه. وهذه الصيغة الفلسطينية الحذرة تعطي إشارة قوية من الفصائل إلى انعدام الثقة في كلام السلطة ورجل المنظمة الأول، لأن السوابق كذبت فيها الأعمالُ الأقوالَ، كما في قضية وقف العمل بالتنسيق الأمني الذي لم يتوقف البتة، وحقق تفاهما مشتركا مع الاحتلال بنسبة ٩٩٪ كما قال عباس نفسه.
ويبدو أن قادة الاحتلال ورجال الإعلام في دولتهم يدركون هذه المفارقة إدراكا جيدا، فهم يقولون: إن شيئا لم يتغير، وإن كلام عباس وقراره للاستهلاك المحلي، وعلى أكثر تقدير فهو لإثارة أوروبا وحثها على التحرك، أو ربما للإيحاء للفلسطينيين أن عباس يملك أوراق عمل، وقدرة على الضغط على حكومة الاحتلال. ولأن هذه القرارات تكررت بشكل أو بآخر دون تنفيذ أمين لها، فإن الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة لا يثق بقرارات عباس ومنظمته وحكومته!
إن غياب الثقة هذه هي حقيقة واقعة لا يختلف فيها اثنان، ولا ينتطح فيها عنزان، كما تقول العرب، ونحن شهود يقين على هذا الواقع المرّ وتلك الخصال القبيحة، ولكن ما يؤلمنا أكثر أن قادة العدو يدركون هذا وأكثر، لذا فهم يخرجون ألسنتهم لعباس وقراره الأخير، ويقولون: (إن كنت رجلًا افعل ...؟!).
نحن نريد من عباس أن يكون رجلا في هذه المرة، وعلى قدر قراره، لنغيظ الاحتلال ورجال إعلامه، لا سيما أنه ليس لدينا ما نخسره بعد ما حصل للقدس، وبعد انهيار حل الدولتين، وبعد تخلي العدو عن التزاماته.
إن الرجولة تقتضي التنفيذ، والتنفيذ الأمين للإرادة الوطنية يقتضي تشكيل لجنة وطنية عليا من جميع الفصائل والحكومة للإشراف على التنفيذ، وتوجيه حركة قرار المنظمة بما لا يضرّ بمصالح الشعب.
إن تشكيل لجنة من فتح أو المنظمة للإشراف على التنفيذ دون مشاركة الفصائل يعني أن اللجنة ذاهبة لمراوغة الشعب، وتمطيط القرار، وأن القرار لن ينفذ بالدقة التي يريدها الشعب، ولأن التخوف هذا من الواقع لا من الشيطان، قالت الفصائل للقرار: (نعم.. ولكن!).