حين أمعنت النظر في أسباب فشل الثورات الفلسطينية في الأعوام ١٩٢٠و ١٩٢٩و ١٩٣٦م، وجدتها عديدة، ولكن ما لفت نظري أن من بينها غياب الحاضنة الشعبية لهذه الثورات، وهي غيبة تنافس في تأثيراتها السلبية غياب القيادة الفلسطينية الموحدة لثورة ١٩٣٦م. فقد عاشت قطاعات عريضة من الشعب الفلسطيني بعيدة عن الثورة، وكأن الثورة الفلسطينية على بريطانيا والهجرة اليهودية لفلسطين أمر لا يعنيهم، وإن ما يقوم به رجال الثورة في الجبال والأحراش شيء لا يستحق الاهتمام أو التأييد.
في هذه الفترة كانت الحاضنة الشعبية اليهودية المهاجرة إلى فلسطين، والحاضنة الشعبية اليهودية في أميركا ودول أوربا، جزءا من المعركة لإنشاء دولة ( إسرائيل). فكل بيت يهودي له مشاركة تناسبه في دعم جهود المقاتلين اليهود، وتزويدهم بالأخبار، وبما يلزمهم من أموال.
خلاصة القول نجحت الحاضنة اليهودية بشكل جيد، وقد أفاض بيغن في تمجيدها والثناء عليها في كتابه ( التمرد). بينما فشلت الحاضنة الشعبية الفلسطينية في توفير مستلزمات الجهاد، واحتضان المقاتلين، ودعم جهودهم، وذلك يرجع لفشل قيادات الثورة الفلسطينية في تقدير قيمة الحاضنة الشعبية في نجاح الثورة، وفي استمراها، وإحباط محاولات إفشالها.
لا أودّ أن أنكأ جراح ماض انتهى باحتلال فلسطين، ولكن مقتضيات أخذ العبرة منه، تقتضي التنويه للقيادات الثورية العاملة الآن في الأراضي المحتلة أنه لا يمكن لثورة شعبية أو عسكرية أن تنجح بمعزل عن حاضنة شعبية واعية تحتضنها، وتمدها بأسباب الديمومةو النجاح، والأخطر من ذلك أن تركتب الثورة، أو أفراد منها، أخطاء وجرائم داخلية من شأنها حال تراكمها أن تفجر الثورة من داخلها، وتمحو قدرتها على الاستمرار والنمو، دون محاسبة قيادية عادلة وحاسمة.
الثورة يفجرها الشعب، ويحتضنها الشعب، ويحميها الشعب، وكل من يتمرد على الشعب بمجاوزة العدل، والحق، والعرف، والخلق النبيل، يفقد لا محالة قدرته على مواصلة الطريق والنجاح. ما تعاني منه الحاضنة الشعبية في غزة الآن كثير، بعضه يرجع إلى الحالة الصعبة التي يفرضها الحصار والعدو، وهذا لا حيلة للمقاومة به، فهو مفروض على الجميع، ولكن بعضها الآخر يرجع إلى تصرفات فردية غير مسئولة، وتصرفات قيادية ميدانية نسيت قوله سبحانه : فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعفو عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر. نريد تصويب ذاتي عاجل لأخطائنا، فالحاضنة تتوجع في أماكن مختلفة من قطاعنا الحبيب، والعلاج ممكن، ولا عافية بدون معالجة ذاتية في كل المستويات، تبتغي رضى الله، وتضمد جراح المجروحين.