"بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني" قصيدة حفظناها مثلما حفظنا أسماء آبائنا، وأحببناها مثلما أحببنا أمهاتنا، كانت حين مولدها مثل الدواء الذي يشفي نفوس العطشى إلى الاخوة والتعاضد، حيث نجحت في التأكيد على القواسم المشتركة بين الشعوب التي تحب بعضها وتصر على بقاء الروابط بينها رغم اجتهاد كبار القوم في وضع الأسلاك الشائكة بينها.
لكن... هل كنا على حق حين حفظناها؟ أم أن جفاء السياسة وتعطشنا لنغمٍ يوحدنا دفعنا لحبها؟ وهل بقيت بلاد العرب أوطاني وهل بقي كل العرب إخواني؟ أم أن ثمة عوامل دخلت على الخط وغيرت الروابط؟
في استقراءٍ سريعٍ للواقعِ العربي نجد أن "بلاد العرب أوطاني وكل العرب إخواني" ليست أكثر من أغنية مفعولها عاطفي ومؤقت، أما على الجانب العملي، وبحكم قانون السياسة الذي يقره كبار القوم، فإن العربي في بلاد العرب يعتبر وافدا اجنبيا، بل إن الاجنبي الذي لا يجمعنا به دين أو لغة أو تاريخ او جغرافية أو عادات وتقاليد يحظى بما لا نحظى به دون أي جهد منه.
أحدث مظاهر سوء تطبيق "بلاد العرب أوطاني" ما حدث في لبنان حيث أطلق وزير حزب القوات اللبنانية في الحكومة اللبنانية، كميل أبو سليمان، خطة لمكافحة العمالة الأجنبية غير الشرعية بهدف "حماية اليد العاملة اللبنانية وتطبيق القوانين وتعزيز الأمن الاجتماعي".
وهنا السؤال "هل اللاجئ الفلسطيني في لبنان هو وافد برغبته، أم أن الظروف أجبرته على القدوم للبنان منذ النكبة؟ هل من المنطقي معاملة الفلسطيني مثل أي وافد يمكنه التحرك في أي بقعة في العالم بحرية؟ وهل هذا القانون يقوي التضامن الفلسطيني اللبناني أم يقوضه؟
من يستمع لتلك القوانين يظن أن الفلسطيني يعيش حياة مترفة في لبنان، رغم أن اللاجئين الفلسطينيين محرومون من أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية، إذ يمنع قانون العمل اللبناني اللاجئ الفلسطيني من العمل في أكثر من سبعين مهنة، كما يتضمن فقرة تنصّ على أنه لا يجوز تملك أي حق عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، في إشارة واضحة إلى اللاجئين الفلسطينيين.
ففي مخيمات اللجوء والشتات يعيش الفلسطينيون حياة لا أبالغُ لو قلت بأن حياة حيوانات اوروبا أفضل من حياتهم حيث الفقر ينهش الجيوب، فـ 65% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، ونحو 45% منهم لا يملكون أي مورد رزق، والأمراض تتفشى، والمنع يطال كل شيء، والمعيقات أمام الابداع والتطور تفرد جناحيها، والحجة التي هي أقبح من ذنب "كي لا ينسى الفلسطيني أرضه" والمحافظة على الهوية الفلسطينية.
يا سيدي ما اشطرك "من قال لك بأن المحافظة على الهوية الفلسطينية تقتضي العيش في كنف الجوع والمرض والفقر والقهر؟ ومن قال إن على اللاجئ الفلسطيني أن يعيش في أسوأ حال حتى لا ينسى بلاده، لماذا نصر على فكرة قمة في السوء بأن المعاناة الفلسطينية هي الجرس الذي يبقى يذكره بقضيته؟
إن ما يحدث في لبنان هو جريمة بحق التضامن اللبناني الفلسطيني، فما يفعله وزير العمل اللبناني ليس بجديد، فسبقه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، عندما قال إنه "مع مساواة المرأة والرجل، إعطاء المرأة حق إعطاء الجنسية لأولادها، باستثناء الفلسطينيين والسوريين حفاظاً على أرضنا"، باعتبار أن منح الجنسية لأبناء ثلاثة آلاف امرأة لبنانية متزوجة بفلسطيني يشكل خطراً وجودياً على لبنان.
يحلو لي قبل الختام أن أمر على قصيدة الشاعر عبد الغني التميمي وأشاركه التساؤلات (ألسنا إخوةً في الدين قد كنا، وما زلنا؟فهل هُنتم، وهل هُنّا؟ أنصرخ نحن من ألمٍ ويصرخ بعضكم: دعنا؟ أيُعجبكم إذا ضعنا؟ أيُسعدكم إذا جُعنا؟ وما معنى بأن «قلوبكم معنا»؟
أختم بما قاله صلاح خلف في كتابه فلسطيني بلا هوية "إن الأنظمة العربية تتعامل مع الفلسطيني وفق نظرتين: إما مشبوه وإما منبوذ"، فمتى تتخلص الأنظمة من هذه الرؤيةالقاتلة؟