لا يخفى أننا في الوقت الحالي حريصون على تعليم أبنائنا مفردات وأصول اللغة الإنجليزية على أساس أنها اللغة الأولى عالميًّا الآن، والأكثر استخدامًا لمن أراد التواصل مع الآخرين بلغة يفهمونها جميعًا، وهذا صواب لا خطأ فيه، ولكن من المؤسف أن نجد هذا الاهتمام الكبير باللغة الإنجليزية في مجتمعنا يفوق ويطغى بل يأخذ حيز الاهتمام المفترض للغة العربية "اللغة الأم"، وذلك قائم على اقتناع كثير من الناس بأن العربية أقل أهمية واستخدامًا من الإنجليزية، وأن هذا الطفل ربما لن يحتاج لنطق كلمة عربية واحدة بمجرد أن يكبر ويسافر للدراسة أو العمل في الخارج، وبعض آخر يرى أن مجرد حديثه إلى أبنائه بلغة عربية (عامية) كافٍ ليكون وجبة جيدة من هذه اللغة، ويلتفتُ بناء على ذلك إلى تعليمهم لغة مختلفة "تنفعهم في مستقبلهم".
هذه القناعات ليس من السهل تغييرها، يجب أن نعترف، لكننا في المقابل يجب أن نقر أيضًا أن اللغة العربية لناطقيها الأصليين أكثر أهمية وأولى تعلمًا من أي لغة أخرى، ومن الواجب القومي والديني أن نتعلم ونعلم أبناءنا قواعد اللغة العربية ونحبب إليهم التحدث بها، ومن الضروري أن نجعلهم يتذوقون جمال اللغة ودررها بما يناسب سنيّ عمرهم.
حديثًا شاهدتُ (فيديو) لأم عربية تعيش في أوروبا تكتب لابنتها رسائل ومذكرات، منها أنها حريصة على تعليمها اللغة العربية، لتبقى صاحبة وجود، ولا تكون نسخة مقلدة مكررة تحاول أن تحاكي الناس ما هم فيه من التسارع والتصارع، وأعجبتني جدًّا طريقة تربيتها وزوجها لابنتها الصغيرة.
وعندما أرادت بريطانيا أن تفرض لغتها الإنجليزية على العالم، ألزمت السفراء لديها وسفرائها في الدول الأخرى أن تكون مراسلاتهم بالإنجليزية في زمن كانت فيه الفرنسية هي اللغة الدبلوماسية الأولى في العالم، وبعد عقود قليلة غابت الفرنسية عن الخطابات وطغت الإنجليزية، وهذا درس لابد أن نتعلمه من الإنجليز في الاعتزاز بلغتهم وثقافتهم.
نحتاج للتأكيد هنا، وفي كل مكان، أن جزءًا مهمًّا من أمانة تربيتنا لأبنائنا أن نعلمهم لغتهم العربية الأم أحسن تعليم، فهي ستزيد من حصيلتهم اللغوية والمعرفية والشعورية، كما أنها ستزيد من ثقافتهم الدينية، فالناس لا يتفقهون الدين بغير العربية ولن يتذوقوه بغيرها، وإن نحن أضعنا لغتنا أضعنا روحنا، وإن أضعنا روحنا أضعنا ديننا ودنيانا.