ليست مفاجئة مواقف إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، فقبل أن يبدأ محادثاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كانت إدارته قد أعلنت على لسان مسؤول كبير أن حل الدولتين ليس الخيار الوحيد، ويجب البحث عن حل آخر، وهذا متناغم إلى درجة كبيرة مع مواقف وسياسات نتنياهو، الذي قتل عمليًّا حل الدولتين بسياسة التمدد الاستيطاني غير العادي، وقرار الكنيست بهذا الخصوص أيضًا ليس ببعيد عن هذا الرأي.
وأكدت هذه المواقف المحادثات والمؤتمر الصحفي المشترك، إذ أصبحت الأمور أكثر وضوحًا؛ فقد أعلن ترامب أنه لن يتدخل لإيجاد حل للصراع، وأن حل الدولتين _كما قيل سابقًا_ ليس الاحتمال الوحيد، وانتقد الأمم المتحدة لأنها _كما قال_ تتخذ مواقف أحادية ضد الكيان العبري.
بعض يعتقد أن ترامب هو الذي قوض هذا الحل، لكن الحقيقة أن الرئيس السابق أوباما وإدارته هم من يتحملون مسؤولية انتهاء هذا الحل، أو إن شئت فقل قتله، بفضل وزير خارجيته جون كيري، وقبله هيلاري كلينتون التي كان شعارها الانتخابي الأساسي: "(إسرائيل) حلم أمريكي"، وأباحت للاحتلال قتل الفلسطينيين.
وإذا ما افترضنا جدلًا أن حل الدولتين قد مات ودفنته إدارة ترامب وترحم عليه نتنياهو، فما البديل إذا؟!، إن الاحتمال الوحيد لغياب حل الدولتين هو حل الدولة الواحدة مع سبق الإصرار والتبجح، لأن عدد المستوطنين بالضفة تجاوز ٦٥٠ ألف مستوطن في عشرات المستوطنات، إضافة إلى نحو ٢٠٠ ألف مستوطن في شرقي القدس وضواحيها، ما يعني عمليًّا أيضًا استحالة حل الدولتين فعليًّا. وقد ارتفعت أصوات كثيرة في الكيان العبري تطالب بضم الضفة كلها، ولا ننسى أن هذا الاحتمال سيشمل الفلسطينيين المليون ونصف المليون الموجودين حاليًّا داخل الكيان العبري في حدود ١٩٦٧م، الأمر الذي سيحول حل الدولة الواحدة أي يهودية الدولة إلى (أبارتهايد) أو دولة عنصرية بامتياز.
أرجع إلى السؤال مرة أخرى: ماذا ننتظر نحن الفلسطينيين؟!، إذا كان الراعي الدولي والحصري لعملية التسوية والمفاوضات قد تخلى كلية عن واجبه الأخلاقي، وضرب بحل الدولتين عرض الحائط، وبذلك يكون قد نسف كل الحلول والمبادرات، على رأسها المبادرة العربية، وخطة خريطة الطريق، وتنصل من اتفاق أوسلو والاتفاقات التي تلته، وكل ما يتعلق بالمفاوضات والسلام على مدار عقدين كاملين، إذًا ما الحل يا عالم؟!
لا تطلبوا النجدة من العرب؛ إن بعضهم منقسم على نفسه، وبعض آخر يغرق في الحروب والدماء والتدمير، وصارت بعض دوله حليفة للكيان العبري لمواجهة إيران، والاتحاد الأوروبي يستطيع القيام بدور ما ولكنه يظل دورًا محدودًا ولا يمكن التصدي للسياسة الأمريكية بصورة عامة، لذا نحن مطالبون أولًا وأخيرًا بتقويم الوضع جذريًّا واتخاذ الموقف المطلوب، الرجوع إلى الوحدة الوطنية، وإلا فالمطلوب منا إما أن نظل نركض وراء سراب حل الدولتين الذي مات عمليًّا وسياسيًّا بعد لقاءات واشنطن، أو أن نستسلم لحل الدولة الواحدة، وربما أيضًا يطلب منا تسليم "مفاتيح" السلطة كلها إلى كيان الاحتلال.