خمس سنوات على انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ورغم أن المعركة التي حدثت في 7 يوليو/ تموز 2014م امتدت 51 يومًا، فإن الصراع السياسي والعسكري مع الاحتلال لا يزال مستمرًّا، بعد أن فرضت المقاومة معادلات عديدة تثبت فشل محاولات ردعها.
تلك المعادلات هي امتداد لنواة تحول فرضتها المعركة قبل خمس سنوات، والتي جعلت الاحتلال حينها يبحث عن وسطاء إقليميين ودوليين لتلبية شروط المقاومة لأول مرة، ووفق مراقبين، إذ برزت المقاومة في غزة وخاصة حركة حماس لاعبًا أساسيًّا في المنطقة، في حين بات القطاع مزارًا للعديد من الوفود الدبلوماسية الأوروبية ومن الأمم المتحدة.
ويشير المراقبون في أحاديث منفصلة لـ"فلسطين" إلى أن نجاح المقاومة في التصدي للحرب العدوانية دفعت قادة جيش الاحتلال لتغيير سلوكه العسكري باللجوء إلى سياسة التصعيد أو ما يعرف بـ"حرب بين الحروب" من خلال جولات تصعيد لا تتطور لمستوى حرب شاملة، كان آخرها في مايو/ أيار الماضي التي تحمَّل خلالها خسائر فادحة.
عقبات وتطور
في هذا السياق يقول الكاتب السياسي مصطفى الصواف: "إن المعركة مع الاحتلال لم تنتهِ بانتهاء العصف المأكول لا سياسيًّا ولا عسكريًّا، بدليل أن الاحتلال لا يزال يمارس إرهابه باستمرار واعتداءاته على الشعب الفلسطيني، ما يؤشر إلى أن المعركة لا يمكن أن تنتهي إلا بانتهاء الاحتلال نفسه".
ويرى الصواف أن التفاوض الفلسطيني السياسي خلال "العصف المأكول" واجه الكثير من العقبات التي وضعتها السلطة الفلسطينية بهدف منع المقاومة من تحقيق أي إنجاز سياسي، رغم تقديمها سلوكها الميداني الموجع للاحتلال فحملته خسائر كبيرة لم يكن يتوقعها.
وأشار إلى أنه وبالرغم من تلك العقبات واصلت المقاومة تحقيق الإنجازات وتطوير قدراتها حتى "باتت أضعافًا مضاعفة عن قوتها خلال العصف المأكول".
وحول سياسة الاحتلال تجاه غزة بعد المعركة، يؤكد الصواف أن لدى سلطات الاحتلال سياسة واضحة في التعامل مع قطاع غزة والتي تعتمد على مبدأ التسويف والمماطلة وعدم تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، مستدركًا: "لكن الذي يجبر الاحتلال على الانصياع هو استخدام القوة، وهو ما فهمته المقاومة وبدأت توظفه، ووفق هذا المنطق سيبقى سلوكها حتى يستجيب لمطالبها".
ويعتقد الصواف أن معركة جديدة بدأت مع الاحتلال منذ 30 مارس/ آذار 2018 وهو تاريخ انطلاق مسيرات العودة "التي أقلقت الاحتلال بشكل كبير، ودفعته للاستجابة لبعض المطالب، وما زالت مستمرة بالضغط عليه لتنفيذ تفاهمات التي صيغت برعاية مصرية وأممية لتخفيف الحصار".
غياب الردع
أما في الجانب العسكري، فيرى اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي أن المقاومة فاجأت الاحتلال بتكتيكات جديدة كالاشتباك من مسافة صفر بين المقاومة وجنود جيشه، فضلًا عن عمليات الإنزال خلف الخطوط، وإطلاق الصواريخ متوسطة المدى، واستخدام أسلحة موجهة مثل "الكورنيت".
وقال الشرقاوي: "خرجت المقاومة من المعركة غير مردوعة وهذا هو العنصر الأهم، فأصبح قطاع غزة عصيًا على الانكسار والردع، وترك تقييمًا سياسيًّا وعسكريًّا بأن أي عملية عسكرية محتملة ستجابه بمقاومة أشرس"، منبهًا إلى أن منظومة الدفاع المشترك (غرفة العمليات المشتركة) بين فصائل المقاومة جعلت الاحتلال يحسب ألف حساب قبل التفكير بالمواجهة مع غزة.
وخلال المعركة استخدمت المقاومة صواريخ M75، وسجيل 55، وغراد، وصاروخ J80، وقسام، وصاروخ R160 وصواريخ 107، وقذائف الهاون عيار 120 ملم.
وكشفت المقاومة عن إحدى المفاجآت التي توعدت بها الاحتلال الإسرائيلي، أنها قامت بتصنيع طائرات من دون طيار تحمل اسم "أبابيل1" وأنتجت منها 3 نماذج، نموذج استطلاعي، وطائرة ذات مهام هجومية، وأخرى انتحارية، إضافة إلى تصنيع بندقية قنص أطلقت عليها اسم "غول" نسبة إلى القائد القسامي عدنان الغول.
تصعيد محسوب
ويشير الشرقاوي إلى أن المسار العسكري لم يتوقف بانتهاء العصف المأكول، إذ اتبع الاحتلال سياسة التصعيد المحدود، التي يريد منها الجيش إنهاك قدرات المقاومة، دون الانجرار لحرب عدوانية واسعة.
كما يلفت إلى أن تلك الجولات المحدودة تهدف لاختبار أي قدرات جديد للمقاومة التي خرجت متفوقة من الجولات العشر التي شهدها قطاع غزة خلال الأعوام الخمسة الماضية.
ويصف الشرقاوي تلك الجولات بأنها سياسة الاستطلاع بالنار، مضيفًا: "لكن المقاومة أظهرت دفاعًا قويًّا، وقلصت قدرة الاحتلال على فرض شروطه، وبفعل ذلك بات لديها القدرة على فرض شروطها، وقد أدرك الوسطاء هذه المعادلة".
ويؤكد الشرقاوي أن المقاومة أصلب من السابق فضلا عن امتلاكها الكثير من أوراق الضغط مثل مسيرات العودة وأدوات المقاومة الشعبية كالبالونات الحارقة، فضلًا عن منظومة المقاومة المسلحة التي تظهر في كل جولة تطورًا أكثر من السابق كما حدث خلال المواجهة الأخيرة في شهر مايو/ أيار الماضي.