يهزأ كثيرٌ من الإسرائيليين من رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، ومن طواقمه الحكومية والاستشارية، ومن قادة أجهزته الأمنية والعسكرية، الذين يظنون أنهم قد حققوا كسباً كبيراً بما تسمى صفقة القرن، وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد خلصهم من التحديات، وتجاوز بهم الصعاب، وأزاح عن كاهلهم الهموم والأوجاع، وشطب من على طاولة المفاوضات الملفات الصعبة والشروط المستحيلة، وأخذ بأيديهم بقراراته ومشروعه إلى بر الأمان، وشرَّع بين الأنظمة العربية كيانهم، وسهل علاقاته معهم، وحقق اعترافهم به، وكلفهم أن يكونوا حراساً له وأمناء عليه، يحمونه من خطر متطرفيهم، ويحرسونه من شر متشدديهم، ويصدون عنه اعتداء وإرهاب من يصفون أنفسهم بالمقاومة.
لا يخفي قطاعٌ كبيرٌ من الباحثين والمتابعين الإسرائيليين تخوفهم من سطحية نتنياهو، ومن ضحالة تفكيره وعقم اجتهاده، إذ يظن أنه يستطيع أن يبني سلاماً مع الدول العربية على حساب الحقوق والأحلام الفلسطينية، التي هي أساس الصراع ولب الأزمة، ويتهكمون عليه، إذ يعتمد على الأنظمة العربية في ترسيخ أسسِ سلامٍ مع حكومته، على قاعدة احتفاظه بالأراضي الفلسطينية، ومصادرته حقوقَهم، وتجريدهم من حلمهم في بناء دولتهم المستقلة، وكأنه يظن أن صراعه الأساس هو مع العرب وليس مع الفلسطينيين، وأنه يحتل أرضاً عربية وليست فلسطينية، وأنه يزج بآلاف المعتقلين العرب في سجونه لا آلاف المعتقلين الفلسطينيين.
يرفع فريقٌ من الباحثين الإسرائيليين أصواتهم عالية، ويحذرون رئيس حكومتهم وقادة كيانهم من مغبة الوقوع في شراك المشاريع المطروحة، ويرون أنهم بترحيبهم بها إنما يغامرون بمستقبل وجودهم، ويخاطرون بأرض أحلامهم، ويجرون بلا عقلٍ وراء مجنونٍ لا يفهم طبيعة الصراع، ولا يعرف حقيقة المنطقة، ولم يقرأ تاريخ شعوبها ولا سيرة أبنائها، وحتى أنه لا يعرف عدد الفلسطينيين وأماكن انتشارهم، ولا علم لديه بتطلعاتهم وأحلام أطفالهم، وقد كلف فريقاً تقوده أحلامه الخاصة ومصالحه الشخصية، وتحركه منافعه وعقائده، رغم عدم التشكيك في ولائهم لدولة (إسرائيل) والشعب اليهودي، إلا أنهم غرباء عن المنطقة، وتجربتهم فيها ضحلة، وخبرتهم بشعوبها بسيطة.
كما يرى الباحثون الإسرائيليون أن رئيس حكومتهم وقادة كيانهم يقامرون لحساب غيرهم، ويخوضون غمار مفاوضات لتأمين حكم سواهم واستقرار أنظمة جيرانهم، ممن يهرولون لقناعاتهم الخاصة، أو نتيجة لضغوطٍ يتعرضون لها لتطبيع علاقاتهم بـ(إسرائيل)، والاعتراف بها دولةً شرعيةً في الإقليم، لها حق العيش والبقاء والدفاع عن نفسها، إلا أن هذه الدول كلها ولو اجتمعت، فإنها لن تستطيع أن تقرر نيابةً عن الفلسطينيين، بل إنها لن تستطيع أن تواجه شعوبها إن هي تجرأت وقررت نيابة عن الشعب الفلسطيني، الذي نجح في فرض مقاطعة قاسية على ورشة المنامة وما سيأتي بعدها.
يرى الباحثون الإسرائيليون وعددٌ كبيرٌ من مراكز الدراسات الإسرائيلية المختصة بعملية السلام في الشرق الأوسط، أن (إسرائيل) ليست بحاجةٍ إلى اعتراف الدول العربية بوجودها، ولا إلى تطبيع العلاقات معها، مع أهمية هذا الإنجاز في حال تحقيقه، إلا أنهم ينتقدون نتنياهو الذي يتغنى بالاختراقات التي حققها في بعض الدول العربية، في حين ينسى أن مشكلته الحقيقية هي مع الشعب الفلسطيني، فهو لن ينعم بالأمن والسلام حتى ولو اعترفت به كل الدول العربية ما لم يعترف به الفلسطينيون، ويقبلوا بالحلول المطروحة ويكفوا عن المطالبة بحقوقهم التاريخية والوطنية في أرضهم.
يخطئ نتنياهو وفريقه المندفع بقوة والمنتشي بالمكاسب الوهمية إذا تجاوز الفلسطينيين، وأعرض صفحاً عنهم، أو ضيّق عليهم وأجبرهم، فالفلسطينيون بكل الحلول المطروحة سيبقون في المنطقة نفسها، وفي الإقليم عينه، وسيبقى أغلبهم في المناطق التي ستخصص لهم وفق المشاريع المطروحة، أي أن المشكلة ستبقى في الإنسان الفلسطيني الذي يرفض هذه الحلول ولا يقبل بها، وستجد (إسرائيل) نفسها بعد فترة تعيش مع أكثر من عدد سكانها من الفلسطينيين في المنطقة نفسها، وعلى الأرض نفسها، وهو ما قد يعيد من جديد حل الدولة الواحدة.
يخلص الباحثون الإسرائيليون إلى أن خشبة الخلاص للشعب اليهودي وسبيله إلى العيش الآمن وسلامٍ طويلٍ متينٍ واستقرارٍ حقيقي، هو في التوصل إلى اتفاقٍ يرضي الفلسطينيين، ويحقق رغباتهم، وينهي طموحاتهم القديمة بموافقتهم وقبولهم، وإلا فإن الحروب ستستمر، وعدم الاستقرار سيطول، وسيقوى الفلسطينيون أكثر، وستكبر طموحاتهم، وستزداد أحلامهم، وقد تتغير خارطة الدول المحيطة بهم، حينها سنجد أنفسنا مضطرين للعودة إلى طاولة المفاوضات الأولى، التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وسنجد أنفسنا نجلس مع ممثليه الذين يختارهم بنفسه، نسلم لهم بحقوقهم، ونوافقهم على طلباتهم.