لم تكن مسيرات العودة الكبرى مسيرات تحرير لنحاكمها لفعل التحرير نفسه. مسيرات العودة كانت مسيرات تحريك، لإنعاش الذاكرة وفك الحصار، وفي ضوء هذه الغاية يمكن الحكم عليها، أو لها.
نحن في حاجة دائمة لإنعاش ذاكرة الأجيال الفلسطينية بأن أرضنا وبلادنا فلسطين محتلة بقوة السلاح، وإن حق العودة إليها هو حق وطني عام، وحق فردي خاص، وحق تدعمه شرعية الأمم المحتلة، والشرعية التاريخية. وإذا تحقق هذا الهدف على المستوى الداخلي فإنه ولا شك يرتبط بهدف إنعاش الذاكرة الدولية بحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بمقتضى القرارات الدولية، وهذا الهدف حظي باهتمام دولي بفعل مسيرات العودة.
نعم، إن مسيرات العودة نجحت في تفعيل حق عودة اللاجئين الى ديارهم، وتواجد عشرات الآلاف على حدود خط الهدنة يوم الجمعة من كل أسبوع, يُحيي فعل الغصب في ذاكرة العدو الذي يودّ أن ينشر النسيان في هذه القضية بين مكونات شعبه.
وإذا كانت مسيرات العودة قد حققت جزءا مهماً من الغاية الأولى، فهي ولا شك قد حققت بشكل أو بآخر جزءا مهما من الغاية الثانية المتعلقة برفع الحصار. نعم لم يرفع الحصار، ولكن مجموعة التفاهمات التي تتضمن إجراءات ملموسة في تخفيفه تجعل الفعل الفلسطيني ناجحا، ومن ثمة غدت المقاومة الشعبية ندّا قادر على التواجد على طاولة القرار بقوة البديل، والإجراءات الشعبية الخشنة.
بالأمس قتل العدو القسامي الأدهم، وحين قررت غرفة العمليات المشتركة الرد، قدم نتنياهو اعتذاره، وزعم أن القتل جاء بالخطأ، وعجّل الوفد المصري خطواته نحو غزة، وهذان الأمران ما كانا ليحدثا لولا مسيرات العودة وفعالياتها.
نعم، لقد دفعت غزة ضريبة عالية في مسيرات العودة، وهذه الضريبة هي جزء من الحياة الفلسطينية منذ النكبة ، وهي ظاهرة متكررة تحكي قصة شعب طموح يريد الحرية، ويريد الحياة الكريمة، مسيرات العودة لن تكون آلية العمل الفلسطيني الأخيرة في مواجهة العدو على طريق الحياة الكريمة والتحرير.