فلسطين أون لاين

​الهجرة.. حصار يجبر الشبان عليها ومستقبل مجهول يترقبهم

...
انعدام الفرص في قطاع غزة ولد حالة كبيرة من الهجرة
غزة/ هدى الدلو:

المخرج الوحيد الذي يفكر فيه الشباب للهروب من الوضع الاقتصادي السيئ والظروف الصعبة المحيطة بهم، لانعدام فرص العمل، وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الخريجين؛ هو الهجرة إلى خارج الأراضي الفلسطينية بحثًا عن مستقبل أفضل، لكن الذي لا يعيه هؤلاء أن الأوضاع في البلاد التي يصل إليها اللاجئون ليست كما يتوقعون، إذ إن كثيرًا من اللاجئين الفلسطينيين -وخاصة من قطاع غزة- يعيشون في ظروف قاسية هناك.

هروب من الواقع

الشاب داود أبو ضلفة قال: "القرار الصحيح لكل من يفكر في الهجرة من فلسطين في الظروف الصعبة الحالية هو دراسة الواقع الذي سوف يقدم عليه المهاجر، تجنبًا للوقوع في الصدمة؛ فالكثير ممن هاجروا في الآونة الأخيرة دون أي تخطيط أو استعداد سوى أنهم يريدون الهروب من الواقع صدموا بواقع أسوأ مما كانوا عليه في بلدانهم".

ورأى أبو ضلفة في حديث إلى "فلسطين" أن الهجرة ليست بالأمر البسيط أو السهل، فهي غربة وابتعاد عن الوطن والأهل، ونمط جديد من الحياة التي لا يتقبلها الإنسان العادي، فالمهاجر الذي يهرب من فشله في بلده لاشك أنه سيفشل في بلد غريب الأطوار فشلاً أكبر مما كان عليه في بلده.

وأوضح أن انعدام الفرص في قطاع غزة ولد حالة كبيرة من الهجرة، لكن في المقابل من يرد الهجرة فعليه أن يخطط لها جيدًا حتى يكون ذاهبًا إلى واقع معلوم لديه.

مستقبل أعمى

أما محمود جمال (30 عامًا، مدرس لغة عربية) فهو من المعارضين للهجرة، لأن الإنسان في نظره ليس له خير إلا في بلده ووطنه، ولكن بسبب الظروف القاسية التي يمر بها الشباب ينصح أي شاب أمامه فرصة لإيجاد عمل يمكن به تأمين مستقبله في الخارج فليذهب.

وقال لـ"فلسطين": "أخي له ما يقارب 5 أعوام في الأردن، وجهز أموره من أجل العودة إلى غزة، فاعترضت على قراره، فإذا كنت أنا موظفًا ولم أتمكن من تلبية جميع احتياجاتي، فلا تفكر في العودة ما دمت لديك فرصة عمل".

وأضاف جمال: "أما في المقابل فلا أنصح هجرة أي شاب إلى مستقبل أعمى غير محدد المعالم، لأنه سوف يكره نفسه في بلاد الغربة، وسوف يعمل عاملًا ليسد جوعه فقط، وفي الوقت ذاته لم يتمكن الشباب من تخطي الصعوبات، بسبب الحصار والتكالب علينا".

ورأى أن أي شاب إن وجد فرصة عمل محترمة يمكن أن يفكر في الهجرة، أما إن كان عمله في الغربة لا يسد ثمن غربته وبعده عن أهله فلا حاجة له.

تخطيط جيد

أما الشاب يوسف الهندي الحاصل على شهادة بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية فأوضح أن التفكير في الهجرة في الوقت الحالي أصبح من أجل الهروب من واقع مرير، دون التفكير في الوجهة أو أي حل بديل.

وبين الهندي لـ"فلسطين" أنه يؤيدها إذا كانت عن تخطيط سليم دون العبور في مسالك الموت وتجار التهريب، أي الهجرة بطريقة لا تشكل على حياة المهاجر خطرًا بالدرجة الأولى، إضافة إلى التخطيط الجيد قبل التنفيذ، أي ليست عبثية، بل لهدف، مثل: فرصة عمل، وأن يجد هناك من يستقبله ويرشده.

وتابع الهندي حديثه: "أما الوضع هناك فليس بالسهل ولا الميسر كما يعتقد بعض، ومع إغلاق الأبواب في وجوه الشباب عليهم المثابرة وإيجاد الحلول، وشعب غزة جبار وبارع في إيجاد الحلول".

بدوره بين الاختصاصي النفسي زهير ملاخة أن الشباب في حيرة وتيه، وقرار الهجرة رغم المخاطر المترتبة والمتوقعة يجبر كثيرين على شق طريق حياتهم في أرض أخرى، بعدما تبددت الآمال وتسارعت عجلة العمر بلا تغيير أو تحسن على الوضع القائم، وما ترتب عليه من سوء للأوضاع الاقتصادية وبطالة وصلت إلى نسب عالية جدًّا، وأجيال من الخريجين تمضي الأعمار بهم بلا عمل.

ونبَّه ملاخة في حديث لـ"فلسطين" إلى أن الوضع الاقتصادي الصعب جدًّا لا يوفر لمن له فرصة عمل الحد الأدنى من العيش بسلام أو يوفر الحاجات الأساسية، فكيف بمن لا دخل لهم أصلًا، أو قطعت رواتبهم، إضافة إلى حالة الحصار الإسرائيلي، والوضع السياسي الداخلي المنقسم على أهله، ومضي أكثر من ثلاث عشرة سنة في الأحوال والسجالات نفسها؟!

وتابع ملاخة: "هذا الأمر دفع آلاف الشباب والعائلات إلى البحث عن حياة هادئة في أرض وأمكنة أخرى حتى تتحسن الأمور، ليحافظوا على بقائهم ويشعرون بقيمة أنفسهم، وأنهم يعيشون في ظل دول وسياسيات تقدر الإنسان وتحفظ له حقه في توفير حد من متطلبات الحياة".

وأضاف: "وهناك عوامل أخرى نجدها عند بعض من حيث الفضول والرغبة في تقليد غيره أو نسج علاقات مع الخارج عبر المغتربين، والتواصل المفتوح بين البلاد إلكترونيًّا شجع بعضًا أيضًا على السفر".

وبين ملاخة أن هجرة بعض ونجاحه في توفير استقرار معيشي قد يدفعان إلى سحب اللاجئ أقاربه أو بعضًا من أفراد عائلته.