اسمان ارتبطا بما سمي بالصفقة أو التسوية أو الأصح تصفية القضية الفلسطينية. الأول متطابق مع العنوان، وهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بكونه تاجرا أصلا وما يعلنه أو يعمل عليه حتى ولو كان في السياسة يظل عنده مرهونا بعمله الأساسي، صفقة. أما الثاني فهو ليس فقط صهر الأول ومستشاره الخاص في هذا الشأن، جاريد كوشنر، بل إنه مخادع أو مكلف بالخداع، في كل ما وظف لأجله أو تكلف به أو تسلق إليه.
منذ دخل الرئيس الأميركي ترامب البيت الأبيض وهو وأجهزته يتحدثون عن مشروع أطلق عليه صفقة القرن حول القضية الفلسطينية، وسموه أيضا صفعة القرن، وأسماء أخرى كلها تصب في النهاية في تصفية القضية الفلسطينية كاملة. ولكن ترامب أو أجهزته، ووفوده أو ممثلوه لم يعلنوا لحد اليوم تفاصيل مشروعه، صفقته، وكل ما جرى أو حصل هو تسريبات أو بالونات اختبار أو قراءة الوجوه التي تقرأ ما يسرب وينشر. رغم أن خطوات مهمة أجريت وأعلنت من جوهر الصفقة أو أشرت إليها. من الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، وإلغاء تسمية اللاجئين عن الفلسطينيين، ومحاصرة وكالة الأونروا، ومحاولة تجفيف مصادرها وإلغائها، وغلق السفارة الفلسطينية في واشنطن، ودعم اليمين الصهيوني في الانتخابات الداخلية وليس آخرها قرار سيادة الاحتلال على الجولان السورية. كل هذه الخطوات تمهيدية للصفقة أو مقدماتها عمليا، وإذا عرف العنوان هذا فالمحتوى واضح وما بعده.
سربت مسودة بشكل واسع وعناوين أو مراسلون لها مختلفون، زعما أو وظيفة أو ادعاء بمعرفة الأسرار والأخبار(!) وفي كل الأحوال فإن مضمون المسودة لا يختلف عن أهداف إدارة ترامب وتنسيقها الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية وتسمين الكيان الصهيوني في المنطقة.
فما سرب من هذه المسودة لا تعرف مصداقيته يلخص الصفعة ويرسم آفاقها العدوانية اللاإنسانية. حيث يستمر العمل بوقائع الاستيطان والاحتلال وقرارات الرئيس ترامب التي تنتهك القانون الدولي وكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية بما يتعلق بالقضية الفلسطينية خصوصا. ويتم إعلان كيان بلا أية مواصفات قانونية تحت مسمى فلسطين الجديدة، على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من دون المستوطنات اليهودية القائمة، ونهب أراضٍ أخرى وتقوم “مصر بمنح أراضٍ جديدة لفلسطين لغرض إقامة مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة، دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها. (حجم الأراضي وثمنها يكون متفقا عليه بين الأطراف بواسطة الدولة “المؤيدة” ويأتي تعريف الدولة المؤيدة لاحقا، ويشق طريق أوتوستراد بين غزة والضفة الغربية ويسمح بإقامة ناقل للمياه المعالجة تحت أراضٍ بين غزة وبين الضفة.”
في النقطة الثامنة من المسودة المسربة بعنوان الجداول الزمنية ومراحل التنفيذ عند توقيع الاتفاقية، فحسب النص يتم تفكيك سلاح المقاومة، وإغراء المقاتلين برواتب “وهمية” ووضعهم تحت وصاية دول عربية، مثل القول، بفتح حدود قطاع غزة للتجارة العالمية من خلال المعابر الإسرائيلية والمصرية، وكذلك فتح سوق غزة مع الضفة الغربية وكذلك عن طريق البحر. والوعد بعد عام من الاتفاق بانتخابات ديمقراطية لحكومة فلسطين الجديدة، وسيكون بإمكان كل مواطن فلسطيني الترشح للانتخابات. أما الأسرى ـ بعد مرور عام على الانتخابات يطلق سراح جميع الاسرى تدريجيا لمدة ثلاث سنوات. ورفض الكيان حدوده التي أشارت الصفقة إلى بقائها مفتوحة، مع إقامة جسر معلق بين ”اوتوستراد” يرتفع عن سطح الأرض 30 مترا ويربط بين غزة والضفة وتوكل المهمة لشركة من الصين وتشارك في تكلفته الصين 50%، اليابان 10%، كورية الجنوبية 10%، أستراليا 10%، كندا 10%. أميركا والاتحاد الأوروربي مع بعضهما 10%.”(!؟)
ثمة أمور أخرى تعطي انطباعات مختلفة ولكنها تعري النوايا والأهداف والغايات من كل الصفقة التي يراد منها التنفيذ العملي على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والوطن العربي. ولا يتغير الأمر حين وضعت داخل المسودة إجراءات اقتصادية لتسهيل التطبيق، جسدتها ورشة البحرين، بعنوان: “السلام من أجل الازدهار، الخطة الاقتصادية: رؤية جديدة للشعب الفلسطيني”، في الفترة 25-26 حزيران/ يونيو 2019، لمناقشة التنمية الاقتصادية في “الأراضي الفلسطينية المحتلة” والكيان الإسرائيلي والأردن ولبنان ومصر. ودعت الخطة الأميركية إلى تأمين استثمارات بقيمة أكثر من خمسين مليار دولار على مدى عشر سنوات، تقدمها دول عربية وأجنبية، ومنظمات دولية، وشركات تجارية من القطاع الخاص. وقد افتتح الورشة مستشار الرئيس الأميركي وصهره كوشنر، واقفا على منصة أعلى من الحضور. وشاركه ممثلون عن 39 دولة، من بينها دول عربية. كما حضر رئيسا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ورجال أعمال وممثلو شركات تجارية واستثمارية دولية. وغاب الشعب الفلسطيني عنها، السلطة والفصائل والقوى السياسية، بوحدة موقف وعزم جماعي، لمعرفته بأنها ورشة اقتصادية ليست بريئة، بل هي جزء من تصور يُحِل الاقتصاد مكان الحقوق السياسية المشروعة، ويحوّل القضية الفلسطينية إلى مشاريع اقتصادية واستثمارية لا أكثر؛ مستبعدة القضايا المركزية للصراع كالدولة والسيادة واللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود. وانتهت الورشة كخدعة سياسية بعنوان اقتصادي قادها كوشنر، وادعى كذبا بأن الورشة من عمل مئات الخبراء والأساتذة الاقتصاديين، وتبين بعد تدقيق أن المشروع بالكامل مسروق من بحث أكاديمي لجامعة كولومبيا في العام 2010 مستنسخا الشق الاقتصادي فقط وحاذفا الشق السياسي منه. وفي رد لنشطاء فلسطينيين، كتب البرفيسور دافيد ل. جيليبس، من مشروع بناء السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا: “لا يوجد أي جديد فيما يسمى “ورشة عمل السلام من خلال الازدهار” لجاريد كوشنر. ففي يناير 2010 ، شاركت في: “Project Palestinian Enterprise”، الذي درس فرص التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية إلى جانب التعاون بين رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف: “نحن لا نشكك في أهمية الوظائف والفرص الاقتصادية، ومع ذلك، يجب أن تتم المحادثات حول التنمية الاقتصادية بالتوازي مع المناقشات حول الدولة الفلسطينية، دولة تعيش بسلام جنبا إلى جنب مع (إسرائيل). حسب الدراسة. وختم: قد تكون مبادرة كوشنر حسنة النية، لكن مصابة بالعطب، ويجب أن يحدث بالتوازي مع عملية سياسية جدية، تعالج الأسباب الجذرية للصراع”!
وهناك وثيقة موقعة من توني بلير ممثل الرباعية الدولية حول القضية الفلسطينية يقر فيها بهذا البحث الأكاديمي في تاريخه.
كل هذا يفضح القائمين على كل ما سمي أو أطلق عليه صفقة قرن أو ورشة خداع وكذب وانبطاح، لتكون فضيحة قرن أمام العالم.
صحيفة الوطن العمانية