في سباق مع الزمن؛ وبعد اكتمال المشروع الاستيطاني المعروف اسمًا بـ(مشروع 2020)، جاءت "صفقة القرن" الأمريكية خطوة دافعة لتسريع قطار المشروع الاستيطاني الأوسع والمعروف بمشروع (القدس 5800)، وفق ما يؤكده مدير الخرائط بجمعية الدراسات العربية خليل التفكجي.
ودون أدنى شك، يشدد التفكجي على أن "صفقة القرن" إلى جانب كونها مزيحة لكوابح قطارات مشاريع الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية القادمة، إنها برأي الاحتلال "وقود دافع" لإحلال "السيادة" على جميع المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلتين، على غرار فرض "سيادة الاحتلال" على مرتفعات هضبة الجولان السوري المحتل، بدعم واشنطن.
ويقول: "إنَّ القدس باتت فعليًّا خارج طاولة المفاوضات؛ فـ"صفقة القرن"، ووجود دونالد ترامب رئيسًا للإدارة الأمريكية أعطيا الاحتلال الضوء الأخضر لتسريع مخططات التهويد، في القدس ومدن الضفة".
الاستيلاء على القدس
ويؤكد التفكجي أن تنفيذ واكتمال المشروع الاستيطاني (القدس 5800) يعني الاستيلاء الكامل على مدينة القدس، وتطويق الفلسطينيين الأقلية فيها، وتحويل الضفة الغربية إلى مناطق سكانية و"كانتونات" متفرقة.
ويضيف: "إنَّ الاحتلال وجد في فوز ترامب الفرصة الأكبر لتمرير مشاريعه، بل تسريع العمل فيها دون أي اعتراض"، مشيرًا إلى أنَّ قرار الأخير الاعتراف بالقدس عاصمةً موحدة للاحتلال، ونقل سفارة بلاده من (تل أبيب) إليها، ساهم في تشجيع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على المضي قدمًا في مخططات مؤسسته الاستيطانية.
ويذكر أنَّه مع بداية عهد "ترامب" رئيسًا للإدارة الأمريكية، صدقت بلدية الاحتلال بالقدس على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنات منتشرة في أرجاء المدينة المقدسة، في حين أعلن نتنياهو بوضوح أنه رفع القيود التي كانت مفروضة سابقًا على البناء الاستيطاني في القدس والضفة الغربية.
ووفق قول التفكجي، إن عُمر المشروع الاستيطاني (القدس 5800) يمتد من مطلع عام 2020م حتى عام 2050م، وسينفذ على عدة مراحل، كل مرحلة مدتها عشرة أعوام متواصلة.
ويلفت إلى أن الاحتلال يخطط عبر المشروع لإقامة أكبر مطار على أرض منطقة "النبي موسى" في أريحا واستقطاب 12 مليون سائح سنويًّا عبر مدرجاته، إضافة إلى ربط خطوط السكك الحديدية الموجودة في "القدس الكبرى"، بجنوب القدس والمستوطنات في الخليل، وبئر السبع، وإلى الشمال نابلس والعفولة، ثم إلى وادي الأردن، والبحر الميت و"أم الرشراش" (إيلات) أقصى جنوب فلسطين المحتلة عام 1948م.
وكذلك يشمل المخطط إنشاء مترو الأنفاق، وسلسلة فنادق كبيرة، وبما يشمل توسيع المستوطنات القائمة طولًا وعرضًا على حساب أراضي المقدسيين المتبقية.
تذويب الأحياء العربية
وقبل انطلاق التنفيذ الفعلي للمشروع، يبين التفكجي أن المقدسيين لم يعودوا يمتلكون سوى أقل من 13% من أراضيهم، بفعل الاستيطان الممنهج الذي سيقلص أيضًا المساحة المتبقية بحوزة المقدسيين، ويذوّب الأحياء والقرى العربية الخاصة بهم رويدًا رويدًا بسلسلة من الإجراءات المخطط لها.
ويبين أن المقدسيين -وفق المخطط- بعد أن يصبحوا أقلية سيمنحون الهوية الإسرائيلية، ومن سيرفض ذلك فسيكون مصيره الإبعاد عن المدينة، وذلك بما يتوافق مع كون المدينة "يهودية" أو "إسرائيلية" خالصة.
ومن ضمن مخططات المشروع تحويل منطقة غور الأردن التي تقع ضمن الأراضي المحتلة عام 1967م إلى منطقة استيطانية، ومقصدًا للسياحة العلاجية من مناطق العالم الخارجي، حسب حديث التفكجي.
ووفقًا للمخطط الاستيطاني –يواصل حديثه- سيعيش في مدينة القدس ومحيطها نحو خمسة ملايين مستوطن، ليس من طريق التكاثر الطبيعي، بل دعم الهجرة الداخلية والخارجية إلى المدينة.
وينبه التفكجي إلى أنَّ الاحتلال يروج أن المخطط (5800) غير سياسي ويسعى إلى الاستثمار والتنمية الاقتصادية، لكنه في الحقيقة "غول" قادم يُنهي مدينة القدس، ويطوق الأقلية الفلسطينية بداخلها، ويحاصر الضفة الغربية ويحولها إلى مناطق "كانتونات" منفصلة غير مترابطة.
يهودية القدس
ويتجاهل المخطط الوضع السياسي في القدس والوجود الفلسطيني فيها، ويعتمد في مبادئه على ستة بنود أساسية، جميعها تتحدث عن "يهودية القدس" (دولة إسرائيل هي قلب الشعب اليهودي، والقدس هي قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي).
ويأتي المخطط الاستيطاني (5800) القادم بعد اكتمال مشروع (2020) الذي حقق الاحتلال خلاله إقامة مئات آلاف الوحدات الاستيطانية، والسيطرة على أراض وممتلكات جديدة، وترسيخ "كون القدس عاصمة له"، وزيادة أعداد المستوطنين تدريجًا حتى 700 ألف مستوطن يسكنون في مستوطنات القدس والضفة الغربية.