"الجيش المقهور"؛ بات هذا هو الوصف الملازم لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يُجمع المراقبون على فشله في إخضاع فصائل المقاومة في قطاع غزة رغم ثلاث حروب عدوانية شنها على القطاع منذ 2008 وكان آخرها في الثامن من يوليو/تموز 2014.
"تقليص التهديدات والمخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي الإسرائيلي، ومصدرها غزة"؛ كان هذا هو الهدف الذي قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية آنذاك: إن جيش الاحتلال يسعى إلى تحقيقه، لكن بعد خمسة أعوام على العدوان الأخير أثبتت المقاومة في الميدان أن قوتها تضاعفت، في خطوة مهمة تراكم من الإنجاز الفلسطيني في مسيرة الصراع الطويل مع الاحتلال.
مسار الأحداث
استهدف الاحتلال بعد الواحدة من فجر الثامن من يوليو/تموز 2014، منزل المواطن محمد العبادلة في بلدة القرارة جنوب القطاع، واستدعى في اليوم الأول من العدوان 40 ألفا من قوات الاحتياط، وارتكب مجزرة في مدينة خان يونس بالقطاع راح ضحيتها 11 شهيدا و28 جريحا فلسطينيا، ثم توالت المجازر.
وردت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعمليات معركة "العصف المأكول"، للتصدي لعدوان 2014 الذي سماه الاحتلال "الجرف الصامد".
وكانت هذه التطورات على وقع قصف متبادل مع المقاومة الفلسطينية في القطاع، إثر تفجر الأوضاع في الضفة الغربية بعد خطف مستوطنين الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير في القدس المحتلة في الثاني من يوليو/تموز 2014م وتعذيبه وقتله حرقا.
كما كانت الأوضاع ازدادت تدهورا بعد إعادة قوات الاحتلال اعتقال عشرات من محرري صفقة تبادل الأسرى المبرمة في 2011م، ونواب في المجلس التشريعي من كتلة التغيير والإصلاح.
وعزز جيش الاحتلال مواقعه على حدود فلسطين المحتلة سنة 1948 مع غزة وأعلن التعبئة، ودوَّت صفارات الإنذار في (تل أبيب).
وقصفت المقاومة الفلسطينية مستوطنات متاخمة للقطاع، ثم توسع القصف ليشمل عشرات المدن الرئيسة والقرى والمستوطنات كالقدس المحتلة و(تل أبيب) ومطار بن غوريون واللد والرملة و"هرتزليا" و"ريشون ليتسيون" وأسدود وحيفا، وصولا إلى مناطق البحر الميت وحتى بئر السبع.
ورغم اقتراح القاهرة في 15 يوليو/تموز مبادرة نصت على وقف إطلاق النار بعد نحو 24 ساعة، على أن يبدأ الجانبان في التفاوض بعد 48 ساعة، فإن طائرات الاحتلال شنت في اليوم التالي غارات على منازل قيادات في حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 205 بينما بلغ عدد الجرحى 1530 حتى ذلك اليوم.
كما شنت طائرات الاحتلال غارات أدت إلى ارتقاء أربعة شهداء بينهم ثلاثة أطفال، وذلك فور انتهاء وقف إطلاق النار مدته خمس ساعات في 17 يوليو/تموز.
وفي 20 يوليو/ تموزأعلنت "القسام" أسرها الجندي في جيش الاحتلال شاؤول آرون، أثناء تصديها للعدوان البري الإسرائيلي شرق مدينة غزة.
وأوقفت جميع شركات الطيران الأميركية وبعض شركات الطيران الأوروبية في 22 يوليو/تموز رحلاتها إلى فلسطين المحتلة سنة 1948، بسبب مخاوف أمنية إثر سقوط صاروخ أطلق من غزة قرب مطار بن غوريون في (تل أبيب).
وأسفرت مجزرة ارتكبها الاحتلال في 28 يوليو/تموز عن استشهاد 10 أطفال غزيين أثناء احتفالهم بعيد الفطر.
وبثت "القسام" في 29 يوليو/تموز تسجيلا مصورا لعملية تسلل خلف خطوط جيش الاحتلال شرقي حي الشجاعية وما تبعها من هجوم على برج عسكري محصن لكتيبة "ناحل عوز"، مما أسفر عن مقتل 10 جنود من جيش الاحتلال.
كما أعلنت "القسام" في ذلك اليوم، أنها قتلت 110 جنود وضباط إسرائيليين منذ بداية العدوان على غزة.
وارتكبت قوات الاحتلال في الأول من أغسطس/ آب 2014 مجزرة في رفح جنوب القطاع، فيما عرف بـ"الجمعة السوداء"، وتذرع الاحتلال حينها بأسر مجموعة من "القسام" الضابط الإسرائيلي "هدار جولدن"، فيما قالت "القسام" حينها في بيان: "إننا لا علم لنا حتى اللحظة بموضوع الجندي المفقود ولا بمكان وجوده أو ظروف اختفائه".
وأسفر عدوان الاحتلال الذي استمر لـ51 يومًا، عن نحو 2200 شهيد و11 ألف جريح، وقدر حجم الدمار الذي خلفته بمليارات الدولارات.
واستشهد 11 من العاملين في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" و23 من الطواقم الطبية العاملة في الإسعاف، وفق تقرير للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
ودمر القصف الإسرائيلي للقطاع 62 مسجدا بالكامل و109 مساجد جزئيا، وكنيسة واحدة جزئيا، و10 مقابر إسلامية ومقبرة مسيحية واحدة، كما فقد نحو مائة ألف فلسطيني منازلهم وعددها 13217 منزلا، وأصبحوا بلا مأوى.
وأُعلِن عن توقف إطلاق النار في 26 أغسطس/آب 2014.
وكانت "القسام" أطلقت باتجاه الأراضي المحتلة سنة 1948 صواريخ محلية الصنع عام 2001، وصل مداها إلى 7 كم، وبحلول عام 2008 أصبح بإمكانها الوصول لمسافة 40 كم، بما في ذلك بئر السبع، بينما تمكنت في 2012 من الوصول إلى عمق 80 كم، وبذلك ضربت للمرة الأولى (تل أبيب) والقدس المحتلة، فيما أصبحت في 2014 قادرة على الوصول لمسافة 140 كم وصارت حيفا في مرماها.
أوراق ضغط قوية
من جهته يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي د. إبراهيم جابر: إن المقاومة في غزة تعزز وجودها وقوة الردع لديها، ما يدفع (إسرائيل) إلى التفكير دائما في كيفية مواجهة هذا الخطر.
ويؤكد جابر في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن (إسرائيل) فشلت في تحقيق أهدافها، وبعد كل هذه السنوات على انتهاء العدوان فإن كل المحللين السياسيين على يقين بأن قدرات المقاومة في غزة ازدادت "الطاق طاقين" و(إسرائيل) تعلم ذلك تماما.
ويتابع: أنا على يقين من خلال حسابات بسيطة نظرية أن قدرات غزة في الردع ازدادت أكثر فأكثر.
ويدلل جابر على ذلك بفشل العملية التي كان الاحتلال يسعى إلى تنفيذها في المناطق الشرقية لخان يونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وغيرها من الأحداث التي أبدت فيها المقاومة صمودا وقدرة فائقة.
ويوضح أن لدى المقاومة في غزة أوراق ضغط قوية جدا، رغم كون موازين القوى غير متكافئة.
ويشير إلى أن المقاومة تستطيع أن تجبر ملايين الإسرائيليين على دخول الملاجئ في مواجهة أي عدوان.
وفي الوقت نفسه يحذر جابر من أن استمرار (إسرائيل) في حصار غزة وما ينتج عنه من معاناة للفلسطينيين فيها تمثل أسبابا تدفع نحو الانفجار.
وعلى الرغم من تنفيذ جيش الاحتلال آلاف عمليات القصف خلال العدوان ورغم الحملة البرية، فإنه فشل ليس فقط في وقف إطلاق الصواريخ على العمق الإسرائيلي، بل أخفق في تقليص وتيرتها، حيث إن 5.5 ملايين مستوطن كانوا في مرمى هذه الصواريخ؛ وهو ما أورده الاختصاصي في الشأن الإسرائيلي د.صالح النعامي في مقال نشره آنذاك في موقع "الجزيرة نت" بعنوان "توازن الرعب: مآلات الحرب الثالثة على غزة".
ونقل النعامي في مقاله المذكور قول أمير أورن المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" أن فشل جيش الاحتلال في إخضاع الجناح العسكري للحماس رغم تفوقه الهائل وتواصل إطلاق الصواريخ بكثافة، يدلل على أن حماس هي الطرف صاحب الإنجازات الأكبر في تلك المواجهة.