تنتشر ظاهرة الباعة المتجولين في مجتمعنا الفلسطيني بكثرة، ولا تكاد تمر ساعة من نهار إلا ويجوب في كل حيٍ بائعٌ متجول يحمل مختلف البضاعة الشعبية، ويروج الباعةُ لبضاعتهم عبر مكبرات الصوت علّ الناس تنتبه وتخرج من منازلها للشراء.
في المقابل بدأت بعض البلديات حملة تمنع هؤلاء الباعة من استخدام مكبرات الصوت، لأنها مزعجة للمواطنين ومكدرة لأوقات راحتهم، وهذا القرار طبعًا لاقى رفضًا في قبل الباعة المتجولين، الذي رأوْا فيه محاربة لأرزاقهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
إنني من الناس الذين ينزعجون جدًا من مكبرات الصوت التي يستخدمها الباعة المتجولون، لكن انزعاجي هذا لا يعطيني حقًا في أن أمنعهم من استخدامها بحثًا من قوت أبنائهم، فهم -على الأغلب- لم يجدوا باب رزق آخر، كما أن منهم من يحمل الشهادات الجامعية، ومنهم من لديه مهارات عمل حرفيٍ ولم تتوافر له الفرصة، وبالتالي لجوؤهم إلى هذا العمل هو اضطرار بالدرجة الأولى.
لكنه من حقي أيضًا أن أتثاقل من ذلك البائع المتجول الذي يختار أوقات الصباح الباكر والقيلولة، "ليطبل ويزمر" في الحي مناديًا على بضاعته، أو من ذلك الذي يستخدم صوتًا مزعجًا دون معالم واضحةٍ لما يسوّق له، أو من ذلك الذي يستخدم هذه المكبرات ليسمعنا قصة حياته، ويرد السلام على المارين، و"يلاكش" فلانًا وعِلانًا، كما يفعل عادةً كثيرٌ من المسحراتية في شهر رمضان، وحديثي هنا يشملهم، فأوقاتهم أسوءُ بكثير، وأساليب بعضهم أكثر إزعاجًا.
قد يقول قائل إن المنع في فترة امتحانات الثانوية العامة كان مبرَرًا، لكن بعد انتهائها فليتركوا الناس لأرزاقهم، لكن من قال إن الامتحانات فقط هي امتحانات التوجيهي؟، وأليست هناك أم تسهر مع ابنها الرضيع طوال الليل لينام، ثم يتولى بائع متجول تخريب ساعة نوم واحدة سيهنأ بها الطفل وأمه؟، وأليس هناك رجل طاعن في السن كبير يحتاج إلى هدوء وعدم إزعاج؟، والقائمة تطول.
وهنا سأقدم مقترحًا يوازن بين المنع وعدم إزعاج الناس، وبين ترك لأرزاقها، وهو مكون من نقطتين أساسيتين:
جعل المنع محصورًا في ساعات النوم كالصباح الباكر والقيلولة وآخر الليل، فيكون متاحًا للبائع أن ينادي على بضاعته بدءًا من العاشرة صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، ثم يتوقف للرابعة مساءً ويكون متاحًا له بعد ذلك حتى الثامنة وهكذا.
منع الباعة من استخدام الأصوات المزعجة، وجعل الغرض من استعمال مكبر الصوت هو دلّ الناس على البضاعة لا أكثر.
في النهاية يجب أن نسعى لنطور مجتمعنا وننهض به، كما يجب أن نعين بعضنا بعضًا على مدلهمات الحياة والظروف الصعبة.