لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بإجراءاته العنصرية وسياسة العقاب الجماعي التي يفرضها علىبلدة العيسوية شمال شرق القدس المحتلة منذ سنوات، في محاولة لإذلال أهلها وكسر إرادتهم ودفعهم للهجرة والرحيل، فمنذ أسبوعين تتعرض البلدة لهجمة شرسة واعتداءات متواصلة واقتحامات يومية نتج عنها استشهاد الشاب محمد عبيد (20 عاما) برصاص قوات الاحتلال الخميس الماضي خلال مواجهات اندلعت بالبلدة عقب وقفة احتجاجية لأهالي البلدة رفضًا لتلك الاقتحامات.
حصار عسكري مشدد، وانتشار قوات خاصة وجنود وشرطة إسرائيلية بأعداد كبيرة، وحواجز عسكرية، وتفتيش للمركبات والمارة على مداخل البلدة وفي الشوارع، فضلا عن اعتقال عشرات المقدسيين من البلدة، هو حال البلدة هذه الأيام التي تشهد أشبه بـ"انتفاضة عيساوية" بوجه الاحتلال.
وأثار قرار محكمة إسرائيلية في القدس إمهال شرطة الاحتلال 48 ساعة لاتخاذ قرار بشأن تسليم جثمان الشهيد عبيد (20 عاما)، من عدمه غضب أهالي البلدة، ما أدى لتطور المواجهات وارتفاع المصابين إلى 80 مصابا، وسط محاولات من الاحتلال لعرقلة عمل الطواقم الطبيّة.
عقاب جماعي
المقدسي مراد عبيد (43 عاما) من بلدة "العيسوية" يجسد بمعاناته واقع البلدة المرير بسبب العقاب الجماعي الذي يفرضه الاحتلال على الأهالي، حيث هدم الاحتلال منزلين له عام 1990م، كما أُسر إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى ما مجموعه 10 سنوات ، وأصيبت والدته باثنتي عشرة رصاصة.
من سجون الاحتلال إلى حصار "العيسوية" وجد عبيد نفسه – كباقي أفراد البلدة – أمام هجمة إسرائيلية شرسة تصاعدت في السنوات الأخيرة بهدف دفعهم لترك البلدة، معلقًا على ذلك: "لمجرد اعتراضنا ورفض اقتحام جنود الاحتلال بشكل يومي للبلدة قبل أسبوعين نفذ الاحتلال كل هذه الاعتداءات، فضلا عن الحصار الذي يفرضه وتحرير المخالفات بقيمة ألف شيكل في حالة الخروج من البلدة وإجراءات كثيرة تنغص حياتنا".
وعدّ عبيد في حديث لصحيفة "فلسطين" ما يحدث في البلدة انتقاما ضمن خطط الاحتلال لتفريغ القدس، وتركيع المقدسيين وإثارة الخوف في البلدات الأخرى.
ووصف ما حدث خلال اليومين الماضيين بساحة حرب وتدريب لأفراد شرطة الاحتلال التي تدفع بأعداد كبيرة للبلدة، نتج عن ذلك إطلاق أحدهم رصاصة خلال مقاومة الأهالي لوجودهم في البلدة، استقرت في قلب الشهيد عبيد.
ضغط اجتماعي ونفسي
عضو لجنة المتابعة في العيسوية محمد أبو الحمص يقول: إن الاحتلال يضغط اجتماعيَّا ونفسيَّا على أهالي العيسوية لتحقيق هدف سياسي إستراتيجي لدفعهم للرحيل عن البلدة وفرض واقع جديد بالتغلغل في الأحياء العربية وتهويدها وفرض رؤيتهم للحل في القدس.
وأشار أبو الحمص لصحيفة "فلسطين" إلى أن الاحتلال وبعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) يضغط بكل الطرق والسبل على المقدسيين، ويرى في الهجمة على العيسوية محاولة لبث الخوف في نفوس أهالي البلدات الأخرى، وأن ذلك يأتي بإيعاز من أعلى الهرم في حكومة الاحتلال.
وشدد على ضرورة التحرك المقدسي والشعبي الفلسطيني لإيقاف الهجمة الإسرائيلية بحق البلدة، مشيرا إلى أن الاحتلال يريد إجبار أهالي البلدة على التسليم بالأمر الواقع وتقبل الاقتحامات اليومية لجنوده بشكل اعتيادي وعدم رفضها، وعدم المطالبة بتحسين حياتهم اليومية إلا على طريقته.
في حين يرى الناشط المقدسي فخري أبو دياب أن ردة فعل المقدسيين في العيسوية طبيعية للدفاع عن أنفسهم ومنازلهم من جنود الاحتلال الذين يحاولون التنكيل بهم، عادا أن انتفاضة العيسوية بعد استشهاد الشاب محمد عبيد (20 عاما) أدت إلى ارتعاب الاحتلال نفسه ومحاولته تطويق ما يجري وعدم تطوره.
وأضاف أبو دياب لصحيفة "فلسطين" أن التطورات تحدث منذ أسبوعين في ظل رفض الأهالي لصفقة القرن، فردة الفعل قوية بعدما شعر المقدسيون بخذلان العرب فانتفضوا في وجه الاحتلال.
وأكد أن مطالب أهالي البلدة تتمثل بتنفيذ وإقرار الخارطة الهيكلية للعيسوية في ظل الزيادة الطبيعة لعدد السكان ومنع أوامر الهدم والمخالفات الجائرة، وفتح طريق "الجامعة العبرية" المغلق منذ سنوات لما له من أثر في تخفيف الأزمات، وعدم تنفيذ الاعتقالات اليومية العشوائية التعسفية وتخريب الممتلكات، وإيقاف الاقتحامات اليومية.