مجددًا يثار في الكيان الإسرائيلي التصريحات حول حرب على غزة, وذهب الوزير الإسرائيلي يوآف جالانت إلى أبعد من ذلك بتحديد ذلك خلال الربيع القادم أي بعد أشهر قليلة, وتصريحات نفتالي بينت الذي تحدث عن أن الأوضاع في الجنوب مناسبة للحرب وزاد عليهما عضو الكنيست حاييم يلين بالقول إن نتنياهو سيشن حربًا في الجنوب للهروب من ملف الفضائح ضده.
الأمر المفاجئ كان برد ليبرمان وزير الجيش من أنه لا نية للتصعيد في الجنوب ولا حتى في الشمال, وهنا يقصد السياسة الأخيرة القائمة على احتواء الساحات طالما لا يتوفر سبب منطقي لذلك.
الحديث عن الحرب يتسبب أحيانًا بحالة من التوتر الفلسطيني داخليًا وحتى داخل جموع المستوطنين خاصة في المنطقة الجنوبية, ومرد ذلك هو الحرب القاسية التي وقعت أخيرًا عام 2014 واستمرت على مدار 51 يومًا وهي الأطول في تاريخ الحروب التي خاضها الاحتلال.
للحديث عن الحرب ضرورة توفر عدة اعتبارات أو بعضها يمكن التنبه لها, بأن الحرب ليست مصلحة فلسطينية ولا حتى إسرائيلية, ولا يرغب الطرفان في الوصول إليها ومحاولة إبعادها كما حدث عند كل تصعيد, وهنا يرى الاحتلال أن حربًا في الجنوب دون دواعٍ حقيقية هو عبء كبير غير مضطر له حاليًا، وحماس ذاتها لا ترغب بها لاعتبارات ترتبط بتقليل الخسائر في غزة وكذلك تأجيلها لحين اشتداد عودها وتمتين قوتها.
رفع مستوى الحديث بعد تولي الأسير المحرر يحيى السنوار رئاسة المكتب السياسي لحماس في غزة، ليبدو الأمر هو تجنيد كل المتغيرات والأحداث لطرح هذا الملف على الطاولة.
حماس لا ترغب بالحرب ولا تسعى لها لاعتبارات كثيرة ترتبط بالحفاظ على استقرار الأوضاع العامة للمواطنين ودفع أي عدوان إسرائيلي يكبدهم خسائر كبيرة، وبنفس الوقت تحافظ على قوتها التي راكمتها منذ 2014 وترغب بأن تواصل البناء والحماية لتصل مرحلة الردع الكامل لمنع أي عدوان مهما كان.
حماس في هذه المرحلة ترمم علاقتها الخارجية بقوة وترغب بالهدوء لتعزيز العلاقة مع الجار الجنوبي وكذلك مع الصديق الإيراني القديم الذي تضررت علاقاته خلال الأعوام الأخيرة, فهي لا ترغب بحرب تعيدها إلى الانشغال بالساحة الداخلية.
قائد حماس الجديد الصلب السنوار يولي اهتمامًا خاصًا ببناء القوة العسكرية, وهو الذي شارك في تأسيسها في الثمانينيات ويرغب بتعزيز دورها, وفي نفس الوقت لا يرغب بأن تذهب لمواجهة يعتقد أنه لم يحن وقتها يمكن أن تفقده جزءًا مهمًا منها أو يعيق تقدمها.
الاحتلال الإسرائيلي لا يرغب بالمواجهة وليست لمصلحته وإن كان قلقًا من تراكم حماس لقوتها في غزة ويسعى لإيجاد حلول لمشاكله في الجنوب دون مواجهة وخاصة فيما يتعلق بالأنفاق وإنفاقه ملايين الدولارات لصالح استخدام أدوات تقنية تحل المعضلة والخطر الحقيقي الذي يتهدده, وفي الوقت ذاته تطور حماس من قوتها بشكل كبير بهذا الشأن والذي يبدو كصراع شديد تحت الأرض وصراع أدمغة فوق الأرض.
لا يشعر الاحتلال أنه بحاجة لمواجهة على حدود غزة طالما شعر أن حماس لن تبادر, وهذا مستبعد من حماس للاعتبارات التي ذكرت لذلك بينما تواصل الثرثرة على حدود غزة, يستمر الطرفان في التجهز لمواجهة لا يرغبان بها حاليًا وليست لصالحهما ويعملان على تأجيلها بعيدًا عن الثرثرة التي تثار في ذلك.