شُكلت لجنة "التواصل مع المجتمع الإسرائيلي" بقرار من أعلى هرم السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير، لغرض إحداث "اشتباك سياسي" مع الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولة تحقيق "اختراقات" في مجتمعه بما يصب في صالح القضية الفلسطينية ومشروع إقامة الدولة المستقلة، بحسب القائمين عليها، إلا أنه تبين مع مرور الوقت أنها الوجه التطبيعي للسلطة الذي ألحق الضرر بالقضية الفلسطينية وخدم الاحتلال وسياساته.
وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول 2012، وبقرار من منظمة التحرير، شُكلت لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، وكُلف برئاستها عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح" محمد المدني، واستمرت نشاطاتها رغم قرار المجلسين "المركزي" و"الوطني" لمنظمة التحرير بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية معه.
ومؤخرًا نفذت اللجنة سلسلة من الأنشطة، كان أبرزها في شهر رمضان الماضي، إقامة إفطار تطبيعي في مدينة يافا المحتلة، ضم إلى جانب المدني، رئيس لجنة التواصل، رئيس بلدية بيت ساحور سابقًا هاني الحايك، ووكيل شركة تنوفا الإسرائيلية ورئيس بلدية بيت جالا الحالي نيقولا خميس، والوزير السابق في السلطة العجرمي وغيرهم.
لجنة تطبيعية
وفي مؤتمر "هرتسيليا" الذي يُعنى بالأمن القومي للاحتلال، شارك فيه وفد من لجنة التواصل رسميًّا، على رأسه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ووزير التنمية في حكومة فتح، أحمد مجدلاني.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات: إنَّ المسألة ليست اشتباكًا سياسيًّا كما يدعي مسؤولو اللجنة بقدر ما هو عمل سياسي ليس أكثر، مؤكدًا أنها لجنة تطبيعية مع المجتمع الإسرائيلي بـ"لباس اجتماعي".
ويشير عبيدات لصحيفة "فلسطين"، إلى أن المجتمع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنذ عام 1996 يشهد انزياحًا واسعًا نحو اليمين والتطرف، ووصل الحال إلى حكومة إسرائيلية (حكومة بنيامين نتنياهو) تضم كل المركبات اليمينية واليمين المتطرف، في حين أن "اليسار" الذي تعول السلطة واللجنة عليه بما يخص إحياء مسار التسوية لم يحظَ في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة سوى على عدة مقاعد في "الكنيست".
ويرى أن اللجنة وفي مقابل الحديث عن تحقيقها "إنجازات" و"اختراقات" في المجتمع الإسرائيلي، شكلت مدخلًا أساسيًّا لإقامة التطبيع ما بين الأفراد والمؤسسات في المجتمع الفلسطيني مع الاحتلال لتحقيق أهداف ومكاسب اقتصادية وسياسية لهم.
كما أنها، وفقًا لعبيدات، أعطت الضوء الأخضر للعرب بنقل "العلاقات التطبيعية" مع الاحتلال من العلاقات السرية للعلنية، مضيفًا: "فتح عمل اللجنة لضعاف النفوس تبرير علاقاتهم مع الاحتلال بادعاء خدمة فلسطين والمشروع الوطني".
وشدد على أنَّ التطبيع مع الاحتلال يمثل ورقة رابحة للأخير للتغطية على جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني وقضيته، وتبريرًا للعرب لتطبيعهم مع الاحتلال بحجة وجود علاقات بينه وبين الفلسطينيين، وأن الأمور تسير في مسارها الصحيح.
واتهمت مؤخرًا، حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على (إسرائيل) "BDS"، لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي "بممارسة أنشطة تطبيعية"، مطالبةً بالضغط على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، لتطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بما يشمل حلّ اللجنة.
في المقابل، قالت اللجنة في بيان لها عقب اتهامها بالتطبيع من شرائح ومؤسسات فلسطينية: إنه "يجب التفريق بين التطبيع مع الاحتلال وأدواته، وبين العمل على الجبهة الإسرائيلية الداخلية من خلال الحوار والتواصل والنقاش مع المجتمع الإسرائيلي وشرائحه المتعددة".
مردود سلبي
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي من رام الله، صلاح حميدة، تبرير اللجنة ومحاولتها درء تهمة التطبيع عن عملها "مثارَ سخرية"، متسائلًا: "كيف تتعامل اللجنة مع مجتمع لا يؤمن بوجود الفلسطيني أساسًا لتأمل بتحقيق الإنجازات؟".
ويرى حميدة في حديث لـ"فلسطين" أن تشكيل اللجنة مثّل خطأ استراتيجيًّا فادحًا، وأن اتفاق أوسلو الذي أضعف المناعة الفلسطينية، وأدى إلى الكثير من الاختراقات والممارسات التي تلقى ردة فعل مستنكرة من الشارع الفلسطيني فتحَ الباب أمام إنشاء اللجنة وتسيّبها.
وأكد أن اللجنة ذات مردود سلبي على المستوى الوطني، وسحبت القضية الفلسطينية لخسارة مطلقة، وأن محاولة تبرير عملها ينم عن "سطحية في التفكير وانحدار في الممارسة السياسية".
وأضاف أن ما يجري هو تطبيع مطلق، ولكن تحت شعار ولافتة مختلفة وهي الاشتباك السياسي، مشيرًا إلى أنه خلال عمر اللجنة زاد ميل المجتمع الإسرائيلي للتطرف واليمين ليصبح الأغلبية، وقلَّت نسبة "المؤمنين" بالتسوية.
ولفت حميدة إلى أن الاحتلال يتنكر لحقوقنا ومجتمعه يؤيده، و"نحن نحاول أن نقنعه بالتسوية، وهو ما يضفي تساؤلًا عن النتائج التي حققتها اللجنة بهذه القناعة طيلة مسيرتها"، مشددًا على أن إيلاء السلطة لهذا الاهتمام كان لا بد أن يكون تجاه المجتمع الفلسطيني، والتواصل الفلسطيني الداخلي؛ لتوحيد الصف وتقوية الجبهة لمواجهة صلف الاحتلال والمؤامرات التي تقودها الإدارة الأمريكية دعمًا لهذا المحتل.