رأى مختصان بشؤون القدس أن تطبيق "صفقة القرن" بدأ فعليًّا على أرض الواقع، بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس المحتلة عاصمة مزعومة للاحتلال الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها، موضحين أن الاحتلال والإدارة الأمريكية تعمدا بدء تطبيقها من المدينة المقدسة ليؤكدا للعالم أن لا مخاطر ستترتب بعد ذلك وأن المهمة الأصعب قد تمت.
وأشارا لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يسابق الزمن لمحو السيادة الفلسطينية عن المدينة المقدسة وإحكام سيطرته عليها، في استباقٍ لما سيتم الإعلان عنه ضمن الصفقة.
الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حسن خاطر، اعتبر أن أول مَنْ دفع ويدفع ثمن "صفقة القرن" هي مدينة القدس، مضيفا أن "الصفقة ليست مشروعًا نظريًّا بل شهدت أول تطبيق عملي لها داخل المدينة التي تعد جوهر الصفقة، وتمثّل ذلك بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بضم الاحتلال لها بشرقها وغربها كعاصمة موحدة له، فالقدس أول مَنْ عانى من هذه الصفقة وتلقى أولى الضربات القوية والكبيرة للقضية الفلسطينية".
ولفت خاطر إلى أن الصفقة تلقي بخطورتها الكبيرة على المدينة المقدسة حيث يجري التخطيط لإبعاد 150 ألف فلسطيني عن المدينة، من خلال إخراج مناطق كـ"شعفاط وكفر عقب وسميراميس ومحيط قلنديا والرام" خارج نطاق نفوذ المدينة، ما يعني توجيه ضربة كبيرة للوجود الديموغرافي العربي فيها.
ولفت إلى تصريح وزير الأمن الداخلي بحكومة الاحتلال جلعاد أردان، بنية منع أي نشاط سيادي فلسطيني في القدس، كتتويج لعمليات التهويد التي تتعرض لها المدينة منذ احتلالها عام 1967، والتي أفقدتها مقومات وجودها العربي بإجراءات مختلفة كمصادرة الأراضي وبناء الأحزمة الاستيطانية وهدم البيوت وغيرها.
المس باللاجئين
وأشار خاطر إلى أن الاحتلال مسّ كذلك باللاجئين في القدس، من خلال تعطيل خدمات مؤسسات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيها، في إطار سعيه لاستبدالها بأخرى من أجل إنهاء ملف اللاجئين في الداخل والخارج.
وأردف أن عملية التهويد يتم تسريعها من أجل استكمال ترتيبات "الصفقة" بجعل القدس خارج إطار أي عملية سياسة لاحقًا، بفرض سياسة الأمر الواقع فيها بدعم من الإدارة الأمريكية.
وبينما "صفقة القرن" بالنسبة للعالم مشروع نظري ما زال يُبحث، فإنها بالنسبة للفلسطينيين كارثة بدأت بالفعل بالمساس بأهم أسس وثوابت قضيتهم، فالقدس الميدان الأول الذي طُبقت فيه الكثير من مخططات "الصفقة" على الأرض بشكل رئيس ومباشر ومست بشكل خطير بالمدينة، وستؤثر بشكل أكبر إذا استمرت على مستوى الداخل والمجتمع الدولي، وفق خاطر.
ويعتقد أن الاحتلال والأمريكان بدؤوا في تطبيق "صفقة القرن" من القدس؛ ليقنعوا الأطراف العربية والدولية أن تخوفاتهم من تطبيقها لا مبرر لها "حيث طبقوا جزءًا منها في القدس التي تعد أكثر المقدرات حساسية وقدسية، ولم يكن هناك ردة فعل بحجم الكارثة".
وبين أن الصفقة تهدف لجعل القضية الفلسطينية اجتماعية إنسانية بعيدًا عن كونها قضية وطنية، وأن تُدار وفق رؤية أمريكية سياسية سعت لها منذ عصر الرئيس المصري الراحل محمد السادات، على أساس قيام الفلسطينيين بإدارة شؤونهم الحياتية دون أي بعد وطني أو سياسي تحت مظلة الاحتلال.
الفلسطينيون كالأجانب
وبين المختص بشؤون الاستيطان والقدس علاء الريماوي، أن المدينة المقدسة أحد أهم ملفات "صفقة القرن"، حيث إن الاحتلال يريد سحب شرقي القدس من إدارة الفلسطينيين، وجعلها كغربها تابعة له تماما إداريًّا وسياسيًّا.
وأوضح الريماوي أن الاحتلال يريد إرسال رسالة بأنه يمكن أن يسمح للفلسطينيين بالصلاة في المسجد الأقصى، مقابل سيطرته على حائط البراق والحارة اليهودية والمستوطنات في القدس المحتلة، وأن "الأقصى" لن يكون موحدًا للفلسطينيين، بل تقسيمه زمانيا ومكانيا مع المستوطنين.
ورأى أن الاحتلال بدأ في تطبيق "صفقة القرن" على الأرض بإعلان الولايات المتحدة القدس المحتلة عاصمة له، بشقيها الشرقي والغربي ونقل السفارات إليها، والتطبيع مع العرب وإحكام الحصار على غزة.
وأردف أنه "يجري الآن البدء بتغييرات كبيرة في محيط القدس بضم 18 مستوطنة موجودة فيها لما يسميه الاحتلال (القدس الكبرى)، ما يعني ضم مليون مستوطن للمدينة، وفي الوقت نفسه عزل المحيط الفلسطيني خاصة مناطق الثقل السكاني كبيت حنينا وشعفاط والرام، عن المدينة المقدسة، وترحيلهم خارج جدار الفصل العنصري، ما يعني القضاء على عصب الوجود الفلسطيني في المدينة".
وذكر أن الاحتلال والإدارة الأمريكية حسموا أمر القدس خلال "صفقة القرن" بإعطاء "أبو ديس" والعيزرية للفلسطينيين، وربطهما بمعبر إداري بالمدينة المقدسة، أي أنه لن تكون للفلسطينيين أي سيادة على المدينة، وسيدخلونها بشروط كأي جنسية أخرى، وهو ما يكشف حجم الطعنة التي تلقتها القدس في هذه المرحلة.