انتهت مواسم المسلسل التركي التاريخي "قيامة أرطغرل" قبل أيام، وهو من إنتاج مؤسسة تيكيدين، وعرض على قناة "تي آر تي" التركية الأولى، وبدأ عرض الموسم الأول منه في كانون الأول (ديسمبر) 2014م، وعُرضت مواسمه مترجمة إلى أكثر من عشرين لغة في العالم.
في عام 2013م، كنتُ (ضمن الماجستير) في إحدى المحاضرات مع المؤرخ الفلسطيني د. غسان وشاح، وسألنا يومها عن اسم والد القائد الفاتح "عثمان" مؤسس الدولة العثمانية، فسكتنا جميعًا دونما إجابة، ثم قال لنا: "سأحدثكم عن أرطغرل أحد أبرز القادة الإسلاميين التاريخيين"، وقطعًا كان الاسم يمرّ علينا جميعًا أول مرة، واستمر الحديث يومها ثلاث ساعات متواصلات، استعرض فيها بطولات وفتوحات هذا القائد المسلم.
جهلُنا السابقُ محاه هذا الإنتاج الضخم، مع تأكيد أن كثيرًا من الأحداث الدرامية التي تخللته هي من وحي المؤلف، لكنها تناغمت مع السياق التاريخي العام، وبسببه عرفنا تفاصيل كثيرة عن الظروف التي سبقت قيام الدولة العثمانية، حتى أطفالنا تناولوا هذه الجرعة التاريخية المهمة من التاريخ الإسلامي عبر المسلسل، وهنا أذكر أنني عندما كنتُ طفلًا حفظتُ جُل أحداث السيرة النبوية من فيلم "الرسالة"، وهنا تتجلى أهمية إنتاج الأعمال التاريخية الدرامية.
سأجيب عن سؤال أخير، وهو: ما الذي دفعني للكتابة عن هذا المسلسل؟
في الحقيقة ليس للأمر علاقة بانتهاء مواسمه، وليست الكتابة هنا دعاية لهذا العمل؛ فقد بلغ عدد مشاهدي مواسمه ثلاثة مليارات إنسان، لكن السبب الحقيقي الذي دفعني دفعًا للكتابة هو الصورة المقابلة من الإنتاج الدرامي العربي، التي كان آخرها مسلسلًا أردنيًّا، تغمره مشاهد القُبل الحميمية، ويطفح بألفاظ الشوارع البذيئة والمقززة جدًّا، وهذا العمل ليس أول ولا آخر ما ينتج بهذا المستوى من انعدام الأخلاق واحترام الذوق العام لدى المشاهد العربي.
سواء شئنا أم أبينا، التلفاز والإنترنت يخترقان بيوتنا بجديدهما كل يوم، ومحاولة حجبهما تكاد تكون مستحيلة، وبذلك وصول المحتوى إلى الأسرة بدءًا من الأطفال وانتهاءً بالكبار أمر لا مفر منه، وإن اختيار ما يشاهَدُ في البيت مهم، مهم جدًّا، فإن الدعوة لتعزيز وتكثيف الأعمال الدرامية الهادفة والقوية تغدو أكثر أهمية لنا ولأبنائنا، ولهذا أتت هذه الكلمات.