فلسطين أون لاين

إلغاء ميركل لقاءها نتنياهو يشير لموقف أوروبي مغاير

...
رام الله / غزة - حازم الحلو

رأى محللان سياسيان أن إلغاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، للقاء كان مقررًا مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، يحمل بوادر جدية لموقف أوروبي مغاير عن سابقه تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل تنامي الاستيطان.

وكانت ميركل قررت إلغاء لقاء القمة المرتقبة التي كان يفترض أن تعقد في العاشر من أيار/ مايو القادم في القدس المحتلة، وسط ترجيحات بأن السبب الرئيس لذلك هو مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون شرعنة البؤر الاستيطانية.

ورغم أن السبب الرسمي الذي قدمه مكتب المستشارة الألمانية لمكتب رئيس حكومة الاحتلال هو الانتخابات التي ستجرى في ألمانيا في أيلول/ سبتمبر القادم، إلا أن مصادر ألمانية وإسرائيلية أشارت إلى سبب آخر، وهو عدم رضا ميركل عن قانون يسلب الأراضي الفلسطينية ويصادرها لشرعنة الاستيطان عليها، والذي صادق عليه "الكنيست"، مؤخرًا.

وقال مصدر إسرائيلي، كان الأسبوع الماضي على اتصال مع كبار المسؤولين في الخارجية الألمانية ومكتب المستشارة، إنه سمع منهم ما يشير إلى "غضب كبير بسبب قانون التسوية (شرعنة الاستيطان)".

وأضاف المصدر أنه سمع من كبار المسؤولين في ألمانيا أن الحكومة الألمانية، وردًا على قانون شرعنة الاستيطان، اتخذت سلسلة خطوات معلنة وعبر قنوات دبلوماسية لإبداء غضبها من القانون.

بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، د. أحمد رفيق عوض: إن موقف المستشارة ميركل ينسجم مع حالة المعارضة التي بدأت تتنامى في أوروبا لسلوك الاحتلال الإسرائيلي، منوهًا إلى أن أوروبا ترى في التوسع الاستيطاني وسيلة لتقويض مساعي إيجاد الحل السياسي في الشرق الأوسط.

وذكر عوض في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن الانطباع الأوروبي عن سلوك حكومة الاحتلال مرتبط بالقرارات الدولية التي تؤكد عدم شرعية الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967، معتبرًا أن توسيع حكومة الاحتلال مشاريعها الاستيطانية "تحدٍ" للرؤية الأوروبية لحل الصراع، وهو ما يثير حفيظة القادة الأوروبيين.

وقال: "طبعًا, الموقف الأوروبي لن يكون عدائيًا تجاه دولة الاحتلال، بل قد لا يتعدى المواقف الضاغطة التي لن تكسر شوكة الاحتلال والاستيطان، لكن أوروبا تنظر إلى نفسها على أنها خط الحماية الأول عن المواثيق الدولية والقرارات الأممية التي تنظم العلاقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني".

وأضاف عوض: هناك تصاعد للمعارضة الأوروبية للتوسع الاستيطاني، وقد بدأت هذه المعارضة مع تصويت أوروبا على قرار إدانة الاستيطان الذي أصدره مجلس الأمن في نهاية حكم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

وأشار إلى أن المعارضة الأوروبية قطعت شوطًا على الصعيد الشعبي في أوروبا أكثر منه على الصعيد الرسمي، وتابع: "بتنا نشاهد ونسمع يوميًا عشرات الأنشطة التي تدعو لمقاطعة دولة الاحتلال في مناحٍ مختلفة وخاصة على صعيد البضائع والتواصل بين المؤسسات الأكاديمية.

ولفت إلى أنه من مظاهر الاعتراض الأوروبي على قضية الاستيطان قيام بعض الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، موضحًا أنه بالرغم من أن هذا الاعتراف لم يكن له ثمرة سياسية واضحة على أرض الواقع، إلا أنه يظل موقفًا احتجاجيًا يمارسه الأوروبيون للاعتراض على سياسة الاحتلال.

وأشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، إلى أن المواقف الأوروبية يجب أن تشجع الأطراف الدولية الأخرى على أخذ موقف أكثر عدلًا تجاه سلوك الاحتلال، وخاصة فيما يتعلق بالاستيطان، مؤكدًا أنه يتوجب أيضًا على الدول العربية أن تأخذ خطوات حقيقية مساندة للحق الفلسطيني.

وذكر أن السياسة الأوروبية قد تحمل معاني متناقضة مع السياسة الأمريكية الجديدة على عهد الرئيس دونالد ترامب، منوهًا إلى أنها ستبقى محكومة بالمصالح المشتركة للغرب والتي لا يمكن التفريط بها ولو كان الأمر يتعلق بالتناقض في المواقف تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

من ناحيته، قال المحلل السياسي سامر عنبتاوي، إن الموقف الأوروبي يأخذ أبعادًا أكثر إيجابية تجاه القضية الفلسطينية، وفي ذات الوقت يبدو أنه ستكون أكثر ابعادًا عن دولة الاحتلال فيما يتعلق بملف الاستيطان حصرًا.

وذكر عنبتاوي في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن الدول الأوروبية, ترى في إقرار "الكنيست" لمشروع تشريع الاستيطان تحديًا لها، منوهًا إلى أنها ترى في ذلك تقويضًا لحل الدولتين، إضافة إلى تحدي القرارات الدولية بهذا الخصوص.

وبيَّن أن هناك مصلحة للدول الغربية بأن تبقى على مسافة مقبولة من جميع الأطراف، معتبرًا أنها تعد مصلحة استراتيجية ترتبط بالدور التاريخي لأوروبا في الشرق الأوسط، إضافة إلى أن هذا الموقف يتمايز عن الموقف الأمريكي المساند تمامًا لسلوك الاحتلال.

وأوضح عنبتاوي أن الموقف الأوروبي يحمل أيضًا رسالة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فحواها أن طبيعة العلاقة الأمريكية مع أوروبا لا تعني بالضرورة تبعية أوروبية لواشنطن، بل ترتبط غالبًا بالتفاهم على المواقف من القضايا المختلفة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

وأكد أن المطلوب تصعيد المواقف الشعبية في الدول الأوروبية والتي تحمل آراء أكثر تقدمًا بالنسبة للحق الفلسطيني، وأن يتم دفع القادة الأوروبيين لتبني هذه الحالة الشعبية بما يحقق ضغطًا على دولة الاحتلال لوقف سياستها العدوانية تجاه الفلسطينيين.

وقال: "نحن بحاجة إلى جهد فلسطيني وعربي لتشجيع هذا الموقف الأوروبي، والتوجه نحو الشعوب الأوروبية التي تنشط فيها أنشطة المقاطعة للاحتلال على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأكاديمية".

وأضاف: "فلسطينيًا يمكن أيضًا استثمار القرارات الدولية التي تساند الفلسطينيين من أجل تسويقها دوليًا مع الدول الأوروبية ودول أمريكا اللاتينية المساندة تاريخيًا للقضية الفلسطينية، وهو جهد ليس بالبسيط لكنه واجب للبناء عليه".

ودعا القيادة الفلسطينية للتوجه جديًا نحو المؤسسات الدولية وخاصة محكمة الجنايات، لافتًا إلى وجوب أن يرتبط هذا التوجه بتجهيز ملفات حقيقية لجرائم قادة الاحتلال من أجل محاكمتهم وتطبيق العدلة الناجزة.

وذكر أنه يمكن أيضًا استثمار هذا الموقف الأوروبي عبر إصرار الطرف الفلسطيني على عدم العودة لمسار التفاوض حتى يتم وقف الاستيطان بشكل كامل في الأراضي المحتلة عام 1967، وهو الأمر الذي يستند للمواثيق الدولية.

وقال: "يجب على الفلسطينيين أن يسارعوا في إنهاء الانقسام وتبني استراتيجية وطنية تجمع الكل الفلسطيني وتأخذ موقفًا سياسيًا موحدًا من كافة القضايا المصيرية، وأن تستند هذه الاستراتيجية إلى حاضنة شعبية فلسطينية من جهة، ودعم عربي وإسلامي سياسي ومادي من الجهة الأخرى".