ليس غريبا أن تبدي الولايات المتحدة الأميركية انحيازها التام لدولة (إسرائيل) على حساب الفلسطينيين والعرب معا، ولكن الغريب في عهد ترامب تلك الوقاحة العلنية غير المسبوقة في الانحياز إلى دولة الاحتلال. والأغرب من الغريب أن يستمر الفلسطينيون والعرب بالبحث عن أميركا وبيتها الأبيض لحل مشاكلهم ورعاية حقوقهم.
إن زيف الصداقة العربية مع أميركا تقف عليه أدلة كثيرة تكاد لا تعدّ ولا تحصى، ولكن ما يثير الانتباه والغضب آخرها تداولا في عالم السياسة، أعني قصة ترشيح فياض مبعوثا أمميا إلى ليبيا.
لقد ذكرت وكالات الأنباء أن الأمين العام الجديد للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) رشح الدكتور سلام فياض، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية السابق مندوبا عن الأمم المتحدة في حلّ المشكلة الليبية بعد انتهاء مهمة (مارتن كوبلر) الألماني، إلى الفشل رغم إبرام اتفاق الصخيرات.
ليس في التعيين شيء جديد أو مثير، ولكن أميركا وإدارة ترامب رفضت هذا الترشيح، وعدته انحيازا من الأمم المتحدة إلى الطرف الفلسطيني، وقالت واشنطن: إنها "لا تعترف بدولة فلسطين وإن الأمم المتحدة منظمة تنحاز بشكل غير عادل لصالح السلطة الفلسطينية؟!".
بينما رحب مندوب دولة العدو بقرار إدارة ترامب، وقال داني دانون: إن "عهدا جديدا يبزغ في الأمم المتحدة بوقوف واشنطن بحزم ودون مواربة ضد كل محاولات الإساءة إلى الدولة اليهودية". لأن واشنطن عرقلت ترشيح الأمين العام غوتيريس.
وقالت مندوبة واشنطن الدائمة، السفيرة "نيكي هايلي", إنها تشعر بخيبة أمل إزاء قراءة رسالة بعثها الأمين العام إلى مجلس الأمن تشير إلى نيته تعيين فياض لقيادة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا؟!".
إن ترشيح سلام فياض لمهمة حلّ المشكلة الليبية، بعد أن أنهى كوبلر عمله، لا يعدّ عملا كبيرا، بل هو من الأعمال المعتادة، والمشكلة الليبية لا علاقة لها بالمشكلة الفلسطينية البتة، وتجربة فياض يمكن أن تكون عاملا مساعدا له في النجاح فيما أخفق فيه كوبلر، ولكن (إسرائيل) تحاول أن تربط بين الشخصية ومهمتها، فالشخصية هنا فلسطينية، ومهمتها إجراء تصالح بين الأطراف الليبية، وقيام فياض بهذا العمل الذي يحتمل النجاح والفشل بنسب متساوية تقريبا، لا علاقة له بشخصية سلام فياض الفلسطينية، لكي تعترض واشنطن، أو لكي تتهم الأمم المتحدة بالانحياز للفلسطينيين.
إن الوقاحة الدبلوماسية الأميركية بلغت حدا لا يمكن السكوت عنه، أو النظر إليه من وجهة دبلوماسية، أميركا تعادي الفلسطينيين، وتعادي العرب مجتمعين ومتفرقين، وتحابي دولة العدو، فهي تنصر دولة العدو ظالمة أو مظلومة، لدرجة أن عدّ دانون عهد ترامب وحزمه بالعهد الجديد، الذي يحمل البشارات لدولة إسرائيل. فهل تتعلم السلطة الدرس، وهل يفهم العرب الدرس جيدا؟!