في الوقت الذي تستهدف فيه (صفقة القرن) الحقوق الفلسطينية، وبالذات حق عودة اللاجئين إلى ديارهم بالتصفية، فإن الصفقة تستهدف أيضا تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). المفوض العام للوكالة بيير كرينبول تحدث في تصريحات له عن خطط أميركية إسرائيلية تستهدف وجود الوكالة في مدينة القدس. استهداف المكان بالإغلاق والتصفية ليس إلا مقدمة لاستهداف عمل الأونروا، بغض النظر عن مكان وجود المكاتب الرئيسة لها.
نعم، يمكن للأونروا أن تقيم مكاتب رئيسة في مكان جديد كالأردن، أو لبنان، أو الضفة وغزة، ولكن مشكلة الأونروا ليست في المكان، وإنما في القدرة على العمل في خدمة اللاجئين لسنوات قادمة! هذه هي المشكلة!
وما يعزز تخوفات كرينبول والفلسطينيين من ناحية أخرى أن دولا أوروبية رئيسة في تمويل موازنة الأونروا قررت إعادة النظر في جدوى بقاء الأونروا، وفي جدوى الاستمرار في تمويلها، وكأن بعض القيادات الأوربية بدأت تقتنع بالدعاية الصهيونية القائلة إن بقاء الأونروا يعدّ عقبة أمام جهود السلام التي تستهدف إنهاء الصراع، وحل مشكلة اللاجئين.
هذه التخوفات الأممية الصادرة عن كرينبول لم تصحبها معالجات أممية جادة للتغلب على مشكلة الأونروا، واستبقاء خدماتها. لذا أنا أفهم منها أنها إجراءات أممية تمهد نفسية اللاجئين للقبول بقرار تصفية أعمال الأونروا في مخيمات اللاجئين. وعليه يجدر بقيادات اللاجئين وضع خطط عملية لمواجهة التصفية، والضغط على الأمم المتحدة للانتقال من وصف ما يجري، وما هو قادم في الأيام القادمة، إلى مواجهة إجراءات التصفية، وتوفير المال اللازم لاستمرار عمل الأونروا إلى أن تحل مشكلة اللاجئين، وإعادة حقوقهم لهم.
الأونروا ليست عقبة أمام السلام العادل، وتصفية أعمال الأونروا لا تعني انتهاء مشكلة اللاجئين، لأن مشكلة اللاجئين مشكلة (وطنية، وإنسانية)، والأونروا تعالج البعد الإنساني فقط، وحين تذهب من الوجود بالتصفية الاستعمارية فإن المشكلة الوطنية باقية، وستزداد حدّة بسبب الأعباء التي يتركها البعد الإنساني. وهكذا تخطئ دول أوروبا في قراءة مشكلة اللاجئين، ومشكلة الأونروا، مع العلم أن بعض الفلسطينيين يرى أن وجود الأونروا ساعد دولة (إسرائيل) في البقاء والنمو أكثر مما ساعد الفلسطينيين، وأنه لو لم تخدّر مساعدات الأونروا اللاجئين في سنوات الهجرة المنصرمة لكان اللاجئون اليوم في بلادهم وديارهم بقوة الحاجة إلى الدار والرزق والوطن.