على مواقع التواصل الاجتماعي –فيس بوك، تويتر، انستجرام، سناب شات- وغيرها، أشخاص بسطاء حديثي السن من اناث وذكور فجأة وجدوا أنفسهم مشهورين، ومن ثم اغتروا بعدد المتابعين وتكبروا على حياتهم الواقعية، وهم في الحقيقة لا يمتلكون قدرات ومهارات عقلية وفكرية مميزة.
لكن الشهرة والنجاح الحقيقي ليسا بالبريق الذي يصنعه المتابعون بل بالقدرات والامكانيات والمهارات الشخصية التي يغتني بها الشخص، فحينما يذهب بريق الشهرة تبقى كينونته.
قيمة لمن لا قيمة له
قصة حقيقية لفتاةٍ في العشرينات من عمرها ومتزوجة، حظيت صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي على متابعة وصلت حتى 10 آلاف متابع، ومعهم بدأ الغرور والتكبر يغلب على شخصيتها، حتى زوجها أصبحت تعتبره شخصا ليس له قيمة ولا يتناسب مع وضعها الحالي مع آلاف المتابعين.
حينها طلبت الطلاق منه كأن 10 آلاف متابع هم غناها وهي تعيش لأجلهم ولا تدري أنهم مثلما رفعوها عاليا سينزلونها يوما أسفل سافلين.
هناء سلامة 30 عاما تعتبر أن ظاهرة مشاهير فيس بوك وحتى انستجرام وسناب شات من الشباب الذين لم يتخرجوا بعد من الجامعة، هي أمر سلبي لأنها تعطيهم أكثر من قيمتهم، ويمكن ألا يكونوا أهلا لهذه الشهرة لا أخلاقا ولا قيما ولا على صعيد المهارات أيضاً.
أما عبير الحسنات تقول: "أعرف شخصية حظيت صفحتها على انستجرام بمتابعة الآلاف، وهي في الحقيقة فقيرة فكرياً، كما أن ما تنشره يتعارض تماماً مع حقيقتها في الواقع، وهنا المصيبة أن مواقع التواصل تعطي قيمة لمن ليس له قيمة أصلاً ولم يفعل شيئاً مهماً أو مميزاً أو خارقاً".
أصحاب تأثير!
وبين الناشط في مواقع التواصل الاجتماعي خالد صافي أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي كانستجرام مثلاً تتيح تقنية إضافة متابعين بشكل برمجي بحت، وهي تقنية عشوائية مع بعض الحسابات فيظهر لعدد كبير رواد الموقع.
وأشار صافي لـ"فلسطين" إلى أن هذا الأمر حدث مع عدد كبير من الشباب والشابات، وعلى ذلك يعتقدون أن زيادة عدد متابعيهم بناء على قوة المحتوى الذي يقدمونه أو قوة تأثيرهم على الآخرين، وتعطيهم شعورا زائفا بالقدرة على التغيير، لذا يغترون بأنفسهم لأنهم يشعرون بأنهم أصحاب تأثير.
وضرب مثالا لفتاة تبلغ من العمر 14 عاما، وصل عدد متابعيها 80 ألف متابع على انستجرام خلال أربعة شهور.
ولفت صافي إلى أن بعض الفتيان والفتية اليافعين يلجؤون إلى زيادة عدد متابعيهم بشكل وهمي، وهذا الرقم يحفز الآخرين بمتابعتهم، مما يعطيهم الشعور بالعظمة.
وقال : " يصبح الشخص منهم ينشر فيديوهات أو منشورات ليرضي الجمهور بأي طريقة كانت ليحافظ على تواجدهم، وهو ليس لديه محتوى أو تأثير".
وأضاف صافي: "الأمر مزعج حين ترى انحدارا في مستوى المنشورات".
ولفت إلى أن التعامل مهم بالنظر إلى تجربتهم بعمق وكيف أنهم وصلوا للجماهير، ومن ثم ارشادهم وتوجيههم لإضافة محتوى مفيد إذا وجدنا فيهم بذرة خير؛ ولكن لا ننسحب من متابعتهم بصمت بطريقة تجعلهم يعتقدون أنك غرت منهم أو تكره لهم الخير، وفي حال عدم التجاوب بالتركيز على جودة المحتوى يمكن الاعتذار لهم لعدم متابعتهم مجدداً".
الذات الافتراضية
وفي ذات السياق بين الأخصائي النفسي زهير ملاخة أن الحياة الافتراضية التي يعيشها بعض الأشخاص على مواقع التواصل تكون نابعة من "الذات الافتراضية"، فيشعرون بقيمتهم من خلالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وعزا ملاخة لـ"فلسطين" أن سبب توجههم نحو الحياة الافتراضية إلى مجموعة من الأسباب منها غياب القدرات العقلية والمهارات الشخصية؛ أو أنه يبحث عن نفسه في عالم اللا واقع كنوع من التعويض، كما أن وقت الفراغ القاتل والظروف التي يعيشونها وقلة فرص العمل وضعف الموارد وقلة الأماكن لتنمية المواهب، والمشاكل داخل الأسرة؛ كل ذلك من الممكن أن يدعوه للهرب من الواقع وأن يشغل نفسه بالذات الافتراضية.
ولفت إلى أن الإناث أكثر من الذكور يملن نحو البحث عن الذات في الحياة الافتراضية ويبحثن عن الشهرة في مواقع التواصل، بسبب العادات والتقاليد، و"التربية الاجتماعية الخاطئة" التي تكبح عواطف الانسان وحريته في الحديث.
ولفت الأخصائي النفسي إلى أن مدمني هذه المواقع انتاجيتهم تكون ضعيفة غالباً ويميلون للراحة والكسل وعدم العمل، ويصابون بالغرور بالنفس؛ ويعيشون حالة من العزلة والانطواء.
ونوه إلى أن عدم الفهم الحقيقي لكيفية تناول واستخدام هذه المواقع يجعل الشباب يتمردون على عائلاتهم وعلى أزواجهم وزوجاتهم ويتعالون عليهم.
ونصح ملاخة العقلاء والحكماء بعدم اعطاء الشخص أكثر من حجمه -خاصة الشباب حديثي السن حتى 25 عاماً- بعدم المبالغة في المديح والثناء وكثرة التعليقات، حتى لا نساعدهم بالانغماس في الحياة الافتراضية بشكل سلبي، وتنبيههم وتوعيتهم لدورهم الحقيقي في الحياة.