فلسطين أون لاين

رغم الإزعاج الذي يسببه بعضهم عندما يكونون صغارًا

المسجد يحتوي الأطفال لينشئ الرجال مستقبلاً

...
صورة تعبيرية
غزة/ أسماء صرصور:

أنهت العائلة وجبة الإفطار، ونظفت الأم وبناتها المطبخ، وبدؤوا تجهيز أنفسهم للذهاب إلى المسجد المجاور للمنزل لأداء صلاة العشاء والتراويح، وقررت العائلة اصطحاب الأطفال معها، طفل في الخامسة من عمره، وشقيقته ابنة الأربعة أعوام.

وفي المسجد التزم الصغيران بتعليمات الأم والأب كل في الجناح المخصص له، غير أن بعض "الشوشرة" البسيطة من أطفال آخرين؛ دفعت بالقائمين على النظام في المسجد للطلب من جميع المصلين عدم اصطحاب الأطفال مجددًا.. فهل كان هذا التصرف صحيحًا؟.

وفي سياق متصل كتب أحدهم منشورًا على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه: "تنفرون الأطفال اليوم من المساجد، وغدًا تترجونهم في سن الشباب دخوله.. كيف؟"، وآخر كتب منشورًا حول ذات الفكرة "إن غابت أصوات الأطفال الآن من المساجد.. خافوا من جيل المستقبل".

"فلسطين" تناقش القضية في "لمة العيلة" مع الداعية والمحاضر بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية د. وائل الزرد، والتفاصيل تتبع:

يقول د. الزرد: "المساجد مصنع الأبطال ومهبط الرجال، فيها صنع الأوائل من المجاهدين والعلماء، ولولا أن المساجد احتضنت هؤلاء الأطفال الذين أصبحوا رجالًا، وفتحت أبوابها لهؤلاء الأبطال الذين أصبحوا كبارًا؛ لما شهدنا كثيرًا من هؤلاء –المتعلقة قلوبهم بالمساجد منذ الصبح– لما شهدناهم أئمة فيما بعد عندما كبروا للمسلمين في المساجد وفي كل الساحات".

ويدعو الآباء الذين يحضرون أولادهم للمساجد أن يعلموهم أن المساجد لها حرمات ولها آداب، فعليهم ابتداءً تعليمهم احترام المساجد وتقدير بيوت الله تعالى، ومن جانب آخر على المصلين الذي يضيقون ذرعًا بهؤلاء الأطفال، أن تتسع صدورهم لاستيعابهم وتحملهم قليلًا، وعندما يجتمع التحمل من قبل المصلين، والتأديب من قبل المربين، ينشأ استقرار بإذن الله تعالى، ولاحقًا مع التكرار يتعلم الأبناء احترام المساجد خاصةً وقت الصلاة.

ولفت إلى أن بعض المساجد أقامت فعاليات وأنشطة تستوعب حضور الأطفال للمساجد، وتخفف من المشكلة التي يسببها الأطفال –غالبًا صغار السن– من "شوشرة ودوشة" للمصلين، فمن الأفكار جعل صلاة الأطفال جميعًا في مكان خاص بإمام خاص، مع بعض الألعاب والمسابقات، وبعضهم ألزم الأب بأن يصلي بجانب ابنه الصغير، بعضهم جعل صلاة الأطفال في الأسطر الخلفية بعيدًا عن المصلين ويرقبهم بعض الشباب، وبعضهم يكتبون كل يوم أسماء الأطفال الأكثر انضباطًا والأكثر أدبًا، ويكرمونهم أمام المصلين، فيتسابق الأطفال إلى الالتزام والمحافظة على آداب المسجد.

ويشدد على أن جلب الأطفال للمسجد وهم صغار السن، ينبغي أن يكون بالترغيب لا بالترهيب، وبالتحبيب لا بالتبغيض، فلا يجبر الطفل على المجيء للمسجد، وإنما يرغب ويُدعى، خاصة أننا أمرنا بتعليم الأبناء الصلاة في سبع، فنعلمهم آدابها وشروطها وسننها، ولغاية ثلاث سنوات ونحن في حيّز التأديب الجميل والترغيب الكريم، ولستُ أبدأ من الضرب والإكراه، لأن هذا ينفر الأولاد ويبغّضهم كثيرًا من المساجد.

ويشير إلى أن الأولاد بطبيعتهم يلهون ويلعبون، وإن طردناهم من المساجد بحجة اللهو واللعب، فعلينا أن نطردهم من بيوتنا، فبيوتنا تكون مليئة "بالدوشة"، والله عز وجل قال في تقرير مراحل نمو الإنسان: "إنما الحياة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر.."، واللهو هو اللعب بلا هدف، ويكون للأولاد فيما دون سن الست سنوات، ثم ينتقل لفترة اللعب، واللعب هو لهدف، وهذا يكون لسن تسع سنوات أو اثني عشر عامًا، ففي هذه الفترة لو أننا احتملنا القليل من قلة النظام من الأولاد، مع وجود أنشطة تساهم في ترتيب وجود الأطفال وقت الصلاة بالمساجد، فهذا يُحِد من "الشوشرة" التي يشكو منها كبار السن.

ويبين أنه لا يحق لكبير السن أو إمام المسجد أو أي من المصلين طرد الأطفال من المسجد، فهذا بيت الله وليس بيت أحدٍ منهم، والأولى مطالبة الجميع بالالتزام بالأدب، واحترام بيوت الله، لافتًا إلى عدم ورود حديث صحيح يعزز ما يقوم به بعض الرجال من طرد الأطفال من المساجد بحجة "الدوشة"، هم يحتجون بقولٍ مأثور –ولا يصح نسبه للنبي– وهو: "جنبوا المساجد الصبيان والمجانين"، وهذا لا يصح، لأنه في زمن النبي (ص) كان الصبيان والصغار بشوشرتهم ودوشتهم يدخلون إلى المسجد ويعتلون ظهور المصلين، والمصلون يحتملونهم لأنهم يعلمون أن صغار اليوم هم كبار الغد بإذن الله.

أخيرًا تختم "فلسطين" بذكر حادثة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، تنفي القول المأثور سابق الذكر بتجنيب الصبيان المساجد، بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، حينما نزل من المنبر لما رأى الحسن والحسين يمشيان ويتعثران في مشيتهما؛ كما في سنن أبي داوود والنسائي والترمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ. رأيت هذين فلم أصبر، ثم أخذ في الخطبة.