فلسطين أون لاين

هكذا كان أجدادنا يحتفلون برمضان في "السوافير الشرقية"

...
غزة/ حمزة دولة

حُفرت ملامح التعب على وجه الثمانيني جاد الله العمصي من قرية السوافير الشرقية الواقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 48، وزادت حدة التعب عندما تحدث لـ"فلسطين" عن أجواء شهر رمضان التي عاشها وعائلته قبل النكبة.

تقع السوافير الشرقية إلى الشمال الشرقي من غزة، وتبعد عنها 32كم، وتبلغ مساحة أراضيها 5861 دونمًا، وترتفع 50م عن سطح البحر، وأراضي السوافير من الأراضي المنبسطة الخصبة التي تجود فيها الزراعة.

تنهّد الحاج أبو رامز العمصي، وأطلق زفيرًا طويلًا لدى سؤاله كيف كانت تحتفل قرية "السوافير الشرقية" بقدوم رمضان قبل النكبة، استند إلى ظهر الكنبة التي يجلس عليها وهو يقول: "إيييه، ساق الله ع أيام البلاد كانت أحلى وأبسط وهداوة بال".

السوافير الشرقية واحدة من القرى التي كان لرمضان فيها خصوصية، الحاج جاد الله العمصي يقول إن السوافير الشرقية اشتهرت بعادات رمضانية بسيطة ميزتها عن القرى والمدن الفلسطينية الأخرى، فكان شيخ القرية يتحرى هلال الشهر عن سطح أحد البيوت، في الصيف تكون الرؤية واضحة، فيعلن هو شهر الصيام، أما في الشتاء وعندما لا تكون الرؤية واضحة تصله برقية من مصر فيعلن للقرية وكذلك عند تحرّي هلال العيد.

وبمجرد الإعلان عن الشهر الفضيل، يستقبلونه بالطبول والشعل النارية والأغاني الرمضانية التي كان الأطفال يجولون فيها شوارع القرية حتى ساعات متأخرة من الليل، ناهيك بالفوانيس الرمضانية محلية الصنع، التي كانت تضيف لرمضانهم رونقًا خاصًا.

واشتهرت السوافير –وفق قوله– بقائمة من المأكولات الرمضانية كالعجوة وقمر الدين والمفتول بلحم الضأن، ويضيف: "كانت العوائل الكبيرة كالعمصي وحمدان والبحيصي تجتمع على مائدة إفطار كبيرة في مضافة العائلة، التي كان يسودها مشاعر الحب والود والطيبة وأما النساء فيفطرن في البيوت".

ولفت الى أن منازلهم كانت من الطين والقش، غير أن هناك بعض المنازل المبنية من الباطون ولكنها بأسقف إسبستية، وكان في القرية مسجد يتوسطه فانوس محاط بالزجاج يضيء المسجد للمصلين الذين كانوا يصلون التراويح بروح إيمانية رمضانية.

ويأخذنا في حديثه إلى ذكرياته في حقوله: "كنا نأكل مما تزرع أيدينا، وكنا نزرع الحمضيات والفواكه والخضراوات، التي لم تلوثها الهرمونات الزراعية كما هو الحال في منتجاتنا الزراعية في هذه الأيام".

ويكمل العمصي حديثه عن عوائل السوافير الشرقية، التي كانت تتميز بالبساطة وحب الخير والكرم، وعن استقبالهم لشهر رمضان المبارك بتهنئة بعضهم بعضًا بحلوله، ويسهرون لساعات متأخرة يتسامرون على أضواء فوانيسها الزيتية، إلى أن يتفرقوا ليناموا استعدادًا لتناول وجبة السحور.

والمسحراتي الذي كان يجول شوارع القرية بالطبول والأغاني الرمضانية ليوقظ أهل القرية لتناول وجبة السحور، وأداء صلاة الفجر –يقول العمصي–: "كنا ننطلق بعد الصلاة لنباشر العمل في حقولنا، فكنا نصدر منتجاتنا الزراعية للمدن الفلسطينية كيافا وغزة وغيرها".

ويستذكر في حديثه الحلوى الرمضانية: "كنا نشتري الكنافة العربية والقطايف من المدن المجاورة والتي كانت تضيف أجواء رائعة على المائدة الرمضانية، كما كنا نصنع بعض الحلويات المنزلية البسيطة".

ويذكر العمصي جيدًا تفاصيل هجرتهم من السوافير الشرقية: "قضينا ليلة صعبة في هربيا -قضاء غزة- واصفها بـ"الليلة السوداء"، فقد أصيب عمي واستشهد، وزوجة عمي أصيبت في قدمها وبقيت تعاني بسبب إصابتها طويلًا حتى موتها، إلى أن وصلنا غزة فقد سكنًا في البداية بغزة من ثم انتقلنا للعيش في مخيم النصيرات".

بلا انقطاع يتحدث الحاج أبو رامز الذي يحلم بيوم يقبل فيه ثرى بلدته "السوافير الشرقية" ويقول: "أتمنى أن يمد الله في عمري لأعود إلى بلدتي، وأشتم رائحة ترابها، وأمشي في شوارعها وأدخل بيتنا الذي طردنا منه".