دم العلماء مرّ. قديما كان قتل الأمم السابقة الأنبياء سببا في هلاكهم. وكان تكذيب الأمم لمعجزات أنبيائهم سببا أيضا بهلاكهم. الله سبحانه يغار على أنبيائه، ويغار على دينه، ومن دينه المعجزات التي يؤيد بها أنبياءه، وهذه الغيرة تتحول إلى إجراء عملي قاتل يسمى الخسف، والإهلاك، دون إمهال.
هذا كان قديما في أمم سبقت أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي منّ الله عليها برفع الخسف والهلاك. وحين رفع عنها الهلاك الجماعي جعلها خير أمة لأنها تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، حيث يقوم العلماء أولياء الله بمهمة الأنبياء، بعد أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم. ولكن رفع الخسف لم يرفع عنهم بأسهم بينهم، أو هزيمة عدوهم لهم.
والحاصل أن التاريخ الإسلامي حافل ببأس المسلمين بعضهم ببعض، وفيه هزائم مذلة لهم على أيدي أعدائهم، لأنهم خالفوا الله في أمور كثيرة، ومن بينها ومن أهمها، قتل حكامهم الفجرة لعلمائهم، ولأولياء الله من المؤمنين. وجلنا يذكر في تاريخ الإسلام الحديث قتل العلامة المجدد حسن البنا، ثم إعدام العالم سيد قطب، وما حلّ بمصر بعد الحدثين من بأس داخلي، وهزيمة على يد بني صهيون. نعم بني صهيون الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم يلقونه.
دم العلماء الأولياء كدم الأنبياء مرّ، ولا يجوز سفكه دون حق، ومن حقهم الواجب أن يصدعوا بكلمة الحق، وبمخالفة الحاكم الظالم، لأنهم مأمورون بذلك، ووراءهم تهديد الله لهم إن كتموا علمهم عن الناس، أو أماتوا كلمة الحق عند السلطان الجائر. هم والحال هذه يأخذون بوعد الله ووعيده، ولا يبالون بوعيد الظالم، لأنه إنما يقضي الحياة الدنيا، وما متاع الدنيا إلا قليل. هم يشترون الباقية بدمهم، ولأنهم كذلك يغار الله عليهم، ويتدخل لنصرتهم.
بعض البلاد العربية يتعرض فيها علماء أولياء مشهود لهم من المؤمنين بالصلاح والخير للتعذيب، ولأوامر الإعدام بعد عيد الفطر، بدون حق يبلغ الشمس صدقًا، وإنما هي شبهات سياسية لا قيمة لها في ميزان الحق والعدل. والمؤسف أن علماء الأمة الآخرين في العالم العربي والإسلامي يلوذون بالصمت، وكأنهم يجاملون الظالم، أو يخافونه من دون الله، وينظرون وقوع الإعدام ليستنكروا، ولو أنصفوا أنفسهم لقاموا بالوقاية اللازمة بالدفاع عن هؤلاء المظلومين، لا سيما في هذا الشهر الكريم، شهر العفو والعتق من النار.
إن مناشدة الحاكم لطلب العفو، ووقف الإعدام، هو واجب العلماء، لا واجب المسجون نفسه، لأن عزة نفس العالم المسجون تمنعه من ذلك . فلماذا لا يصدع الإعلام بطلب ذلك قبل فوات الأوان؟ ومن نصر وليا من أولياء الله نصره الله. أيها العلماء كونوا كرجل سورة يس، الذي جاء من أقصى المدينة لنصرة المرسلين، ودفع دمه ثمنا لهذه النصرة، ولكنه فاز بالباقية. افتحوا باب المناشدة والنصرة قبل أن يفتح الدم المسفوك باب البأس والهزيمة، لا قدر الله.