قلنا في مقالة الأمس (رياح الأمل): إنّ العلامة الشعراوي استبعد من التفسير في سورة بني إسرائيل (الإسراء) قضيتين، وقضى بقضيتين أيضًا. استبعد ما يتعلق بنبوخذ نصر، واستبعد مقولة انتظار علامات الساعة لهزيمة اليهود. وقضى بأن الإفسادتين هما في حضن الإسلام، الأولى في المدينة المنورة، والثانية هي القائمة الآن في فلسطين، وأن عقاب اليهود على الإفسادتين يكون على يد المسلمين (عباد الله) الملتزمين بالمنهج، وأن الثانية تنتظر عودتنا نحن إلى المنهج، وأن زمانها قد أظلنا كما قال الشيخ أحمد ياسين، والشيخ بسام جرار، بل وكما قال حاخامات اليهود أنفسهم.
هذه الظلال التي تحدّث عنها العلماء هي (رياح الأمل) التي يجدر أن تسكن أصحاب القرار، وقادة العمل السياسي، والجهادي، ومن ثمَّ عليهم أن يطوروا هذا الأمل في نفوس الشعب، وأن يزيحوا روح اليأس والإحباط التي تسكن بعض العامة، نظرا لقوة العدو، وكثرة نفيره، وقلة ما بيدنا من قوة، ونقص النفير، ذلك لأن من كان الله معه، كان الكثير والنفير معه، وعندما نكون نحن مع الله قلبًا وقالبًا فإن الله يكون معنا حتمًا، ومن كان الله معه فإنه لا غالب له البتة.
إن واقع يهود فلسطين في إفسادهم، هو عينه واقع إفسادهم في المدينة المنورة، وإن تأديبهم وهزيمتهم والانتصار عليهم كان بالإيمان، وبقوة الرجال، وهذا هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك في زماننا. لا نصر عليهم إلا بالإيمان وبقوة الرجال المجاهدين. لا نصر على المحتلين بالمفاوضات، أو بالرعاية الأميركية، ولا حتى بحكام العرب والمسلمين وهم على إسرافهم. النصر شرف، والشرف يُعطى لمن يستحقه، والله لا يعطيه لمنافق، أو فاسق، بل يعطيه لمؤمن عابد(عبادًا لنا).
نحن في الذكرى الحادية والسبعين للنكبة، نتذكر السنين المنصرمات بكل آلامها، وننظر إلى الأعوام القادمات بكل ما تحمل من آمال، ونحن على يقين بعودة فلسطين إلى شعبها وإلى إسلامها، ولن ينفع (إسرائيل) قوتها، ولا من ينفرون معها من عجم وعرب، فهؤلاء لن يغيروا قدر الله، ولا وعده.
إننا حين يقوم شعبنا بمسيرات العودة الكبرى في هذه الأيام وهو يعاني من الحصار والعدوان، ومن التهديد بحرب رابعة، إنما يقوم بما هو في مستطاعه من الإعداد والجهاد، لذا لا يجدر بمواطن أن يحتقر هذه الجهود، لأن من يحتقر ذلك يكون قد غفل عن حكمة قوله سبحانه: "وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..."، حيث لم ينتصر المسلمون يومًا على عدوهم وهم أكثر منهم عددًا وعدّة، بل كان المسلمون دائمًا دونهم في العدد والعدة والنفير أيضًا. إن من أهم واجبات التحرير هو: الإعداد والتوكّل.