نعم، يمكن الحكم على كتاب من غلافه، خصوصاً إذا كان «الكتاب» هو الصفقة الأمريكية المتوقعة، وإذا كان «الغلاف» يثني على رجلين مراوغين- البعض يصفهما بأسوأ من ذلك- هما دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو.
في الواقع، انشغال ترامب ونتنياهو بما يسمى «الصفقة» هو أشبه بانشغالهما ب«سرقة القرن».
والمفارقة هي أن «الصفقة» التي يفترض أنها خريطة طريق للوصول إلى تسوية سلمية للمشكلة الفلسطينية- صاغتها مجموعة صغيرة من صهاينة أمريكيين كلفوا برسم السياسة الخارجية الأمريكية.
هذه المجموعة يقودها جاريد كوشنر، صهر ترامب والمستشار الرئاسي، إلى جانب كل من «الصقر» جون بولتون، المستشار الرئاسي لشؤون الأمن القومي، ومايك بومبيو، وزير الخارجية، وديفيد فريدمان، سفير الولايات المتحدة لدى «إسرائيل».
ولا بد من ملاحظة أن نتنياهو هو صديق مقرب لعائلة كوشنر، وقد اعتاد زيارة منزل العائلة والمبيت فيه كلما زار الولايات المتحدة. وهذا يمكن أن يجعل كوشنر بحكم الأمر الواقع وكيلاً أجنبياً يخدم المصالح «الإسرائيلية»، ولو أنه ليس مسجلاً رسمياً بهذه الصفة.
ومع مساهمة هؤلاء الأشخاص المناصرين ل«إسرائيل» في صياغة «الصفقة»، ماذا يمكن للمرء أن يتوقع منها «سوى كونها عملياً خطة حزب الليكود بزعامة نتنياهو لإقامة «إسرائيل» الكبرى من النهر إلى البحر؟
تاريخياً، كان المطلب الأساسي للفلسطينيين هو تحرير كامل فلسطين الانتداب. ولكن مع مرور الزمن، أخذ الفلسطينيون يخففون مطالبهم إلى أن أصبحت تتلخص بثلاثة عناصر.
أولاً، إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية (المنطقة التي يسميها السفير الأمريكي ديفيد فريدمان «يهودا والسامرة»، حسب التعبير «الإسرائيلي»). وثانياً، إعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وثالثاً، عودة اللاجئين الفلسطينيين.
غير أن ترامب سبق أن شطب هذه العناصر الثلاثة الرئيسية واللازمة لحل المشكلة الفلسطينية سلمياً؛ فقد اعترف ب«القدس الموحدة عاصمة أبدية ل«إسرائيل»»، ونقل السفارة الأمريكية إلى المدينة، كما أنه أذعن لإعلان نتنياهو أنه سوف يضم المستوطنات "الإسرائيلية" في الضفة الغربية- وربما يضم في النهاية الضفة الغربية بأكملها، وفي ما يتعلق بمسألة اللاجئين الفلسطينيين، فإن اللاجئ الفلسطيني بنظر ترامب هو شخص كان حياً عندما أعلنت إقامة «دولة إسرائيل» في عام 1948- ما يعني أنه من الصعب جداً اليوم أن يكون هناك الكثير من الفلسطينيين الأحياء الذين ينطبق عليهم تحديد ترامب ل«اللاجئ الفلسطيني".
علاوة على ذلك، قطع ترامب العلاقات السياسية مع الفلسطينيين عندما أمر بإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وفرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين، من خلال وقف المساهمة المالية الأمريكية في موازنة« الأونروا".
وواقع أن «التسوية الأمريكية» صاغها صهاينة في إدارة ترامب، ما يعني أنه لا يمكن توقع أن تكون أي شيء سوى كل ما تريده "إسرائيل". وتبعاً لذلك، فإن «تسوية سلمية للمشكلة الفلسطينية» أصبحت عملياً وفعلياً باطلة وملغاة في المستقبل المنظور.
مهندسو هذه "التسوية" المتغطرسون لم يفهموا أنها ليست سوى خطة غير مسؤولة وغير عملية ومتداعية سوف تفشل بالتأكيد فور الإعلان عنها.
صحيفة الخليج الإماراتية