تطل الذكرى الـ71 للنكبة الفلسطينية، التي تجرّع خلالها الشعب الفلسطيني آلام التهجير والتشريد والمعاناة، والعيش داخل المخيمات، وسط محاولات أمريكية حثيثة، لتصفية القضية الفلسطينية، والإجهاز التام على قضية اللاجئين؛ أحد أبرز المفاصل والثوابت الوطنية بحسب ما تم تسريبه من بنود وطروحات "صفقة القرن".
وأكدّت قنوات إعلامية عربية وغربية عدة، عن كون إحدى أهم ملفات بنود الصفقة يتعلق بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المقيمين فيها، خاصة الأردن وسوريا ولبنان، مقابل حزم وتسهيلات اقتصادية للدول الثلاث.
ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر وصفته بالمطلع أن مستشار الرئيس الأمريكي ومبعوثه للشرق الأوسط، جاريد كوشنير قال إنَّ مقترح التسوية المعروف بخطة "صفقة القرن" بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين سيعلن عنه بعد انتهاء شهر رمضان، وتشكيل حكومة إسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.
دائرة الاستهداف
وفي دول الجوار لفلسطين (الأردن، سوري، لبنان) يعيش الثقل الأكبر من أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين شُردوا منذ بدء احتلال فلسطين عام 1948 على يد العصابات الصهيونية في حينه.
وقال الباحث المختص في شؤون اللاجئين، ياسر علي: إنَّ ملف اللاجئين بدأ جليًّا وضعه في دائرة الاستهداف الأمريكي الإسرائيلي المزدوج بما يُمثل من قيمة وثابت ثقيل من ثوابت القضية الفلسطينية، والإنسان الفلسطيني.
وأوضح علي لصحيفة "فلسطين" أنّه منذ تولي دونالد ترامب منصب الرئاسة الأمريكية، بدأ باتخاذ عدد من القرارات التي تصب في محاولات إنهاء قضية اللاجئين، كما كان ظاهرًا في وقف تمويل بلاده لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وحصر أعداد اللاجئين الفلسطينيين بما لا يزيد عن 60 ألفًا، وغيرها من القرارات.
وأشار إلى أنّ العمل الآن جارٍ لتحقيق عدة أهداف ذات علاقة بالإجهاز التام على قضية اللاجئين، تتمثل في إعادة تعريف اللاجئ، وترحيل بعضهم للخارج، ليتم ابتلاع العدد المتبقي عبر "التوطين" في الدول المضيفة.
وشدد علي على أنّ صفقة القرن الأمريكية تمثل حُلمًا إسرائيليا، يتخلص الاحتلال بموجبها من حق العودة، ويستبعد عن طاولته أي مطلب مستقبلي ذي علاقة بالقانون والقرارات الأممية التي أكدت حقوق اللاجئين وحق عودتهم لأرضهم المحتلة.
ورأى أنّ الجو العربي العام "الراكد على أقدام واشنطن"، ساهم في صنع هذه الصفقة، والعمل على تمريرها رغم ما تحمله من مخاطر على القضية الفلسطينية وثوابتها، وأن التحدي يتمثل في رفض هذه الصفقة وإفشالها، بإحياء نار الرفض الشعبي والفصائلي في كل مكان.
ولم يكن طرح توطين اللاجئين الفلسطينيين هو الأول على "صفقة القرن"، إذ برزت مشاريع بعد اتفاقات أوسلو 1993، كان من أخطرها خطة أمريكية لتوطين خمسة ملايين فلسطيني في دول الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وذلك حين طرحت مشكلة اللاجئين في مفاوضات الحل النهائي.
وخلال فترة عام 1948، ومع ازدياد حدة المعضلة المتعلقة باللاجئين قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته، بالتصويت على قرار ١٩٤ القاضي بعودة من يرغب من اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويض من يرفض العودة، وقد صوتت الولايات المتحدة على هذا القرار وقتها.
إجهاز تام
وأكد أمين سر المكتب التنفيذي للجان الشعبية للاجئين في قطاع غزة، زياد الصرفندي، أنّ ملف اللاجئين، يمثل جوهر القضية الفلسطينية، والناتج الأساس الذي خلفته النكبة واحتلال فلسطين، وهو لا يزال يمثل ملفا شاهدا حيا على هذه المأساة.
وقال الصرفندي لـ"فلسطين": إنّ "صفقة القرن" تأخذ بعين الاعتبار تخوف الاحتلال وحساباته وقلقه من ملف وقضية اللاجئين، بوضع ما يرونه حلولًا، وهو ما يمثل إجهازًا تامًّا على قضية اللاجئين، عبر ما يعرف بالتوطين.
وأشار إلى أنّ ما يتم تسريبه من بنود "صفقة القرن" يؤكد انسجام واشنطن تمامًا مع رؤية الاحتلال وتطابقها إلى حد كبير، والذي يرفض منذ إقامة كيانه مبدأ عودة أي لاجئ إلى الأراضي المحتلة أو حتى تعويضه.
وذكر أن واشنطن وامتثالًا لرغبات (تل أبيب) بدأت بتنفيذ "صفقة القرن" على أرض الواقع، ومس قضية اللاجئين ومحاولة "قلب المعادلة" عبر وقف تمويل وكالة (الأونروا)، وإعادة تعريف اللاجئ، والضغط على الحكومات لقبول التوطين، مشددًا على أن ذلك يمثل حلما طالما داعب تحقيقه الاحتلال في السنوات الماضية.