أثار إصدار وزارة التربية والتعليم في الضفة الغربية، كُتيب "قدوتنا رئيسنا" الذي يتضمن اقتباسات من كتب رئيس السلطة محمود عباس، سخرية فلسطينية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
جاء إطلاق الكتيب، ضمن مبادرة بعنوان "لأجل فلسطين نتعلم"، من أجل تدريس طلبة المدارس في فلسطين هذه الاقتباسات بهدف "إبراز الهوية الوطنية وإحداث التطوير والتغيير المنشود" وفق القائمين على المبادرة.
ووصف نشطاء مواقع التواصل كتيب عباس، بـ "السير على خطى الأنظمة الديكتاتورية"، وتساءلوا حول تصريحاته عن التنسيق الأمني ورفض المقاومة المسلحة.
وكتب الناشط أحمد مجايدة فصولًا مفترضة للكتيب -لم تخلُ من السخرية- ففي الوحدة الأولى التي تتضمن "التمهيد"، توقع أن يتضمن الدرس الأول منها: التنسيق الأمني مقدس، أما الدرس الثاني: كيف ترضى عليك (إسرائيل)؟ والثالث: ماذا تعمل لتحوز على ثقة الإسرائيليين؟
فيما الوحدة الثانية بعنوان: كشف الأعداء، الدرس الأول منها: حماس عدوتنا، والدرس الثاني: حماس والانفصال، أما الدرس الثالث: بيان حكم الأموال القطرية.
أما الوحدة الثالثة –وفق الناشط مجايدة- الإجراءات تجاه غزة، وتتضمن درسين، الدرس الأول: قطع الرواتب وصلٌ للوطن، والدرس الثاني: منع التحويلات الطبية ضرورة وطنية.
ويفرض الرئيس محمود عباس عقوبات على قطاع غزة منذ أبريل 2017 تضمنت إحالة عشرات آلاف الموظفين للتقاعد القسري، وقطع وتقليص الرواتب ووقف التحويلات الطبية.
وكتب الناشط خالد صوافطة متهكمًا: امتحان كتاب "قدوتنا رئيسنا" هو: ١.ما الحكمة المستخلصة من قول الرئيس: التنسيق الأمني مقدس؟، ٢. علل ما يأتي: لماذا قال الرئيس إنه يعيش تحت بساطير الاحتلال؟.
وأضاف صوافطة: ٣.أعرب كلمة صفد في الجملة الآتية: أنا متنازل عن صفد، ٤. ما هي المناسبة التي قال فيها الرئيس: يا أخي مالنا ومال القدس؟ ٥. على أي قناة قال الرئيس: شغلنا الشاغل في الأجهزة الأمنية هو الحفاظ على أمن (إسرائيل)؟!
فيما قال الناشط أمجد عبيد: "من الأفضل تدريس الأطفال تاريخ أبو عمار والياسين وجورج حبش والشقاقي وعمر القاسم، وبهذا نكون قد أعدنا البوصلة إلى اتجاهها الصحيح وليس إضاعتنا وإضاعة الأجيال القادمة أكثر مما نحن ضائعون".
وغردت الناشطة زهرة موسى متهكمة: "(الرئيس الصيني) ماو تسي تونغ عمل الكتاب الأحمر والقذافي (الرئيس الليبي السابق) عمل الكتاب الأخضر ورئيسنا عمل الكتاب الأصفر".
أما الناشطة سهام داود قالت معلقة على إصدار الكتاب: "لا مزحة ولا نكتة ولا كذبة أول نيسان.. بل على خطى الأنظمة الدكتاتورية سائرون!".
ورأى مالك ريماوي في منشور في صفحته عبر "فيسبوك" أنه "ليس هذا ما يجب أن يحدث، فالتعليم يحتاج جهدا حقيقيا ومبادرات ممنهجة ومخططة تقوده وتعمل على تحقيق تحولات حقيقية، والوطن يحتاج حركة سياسية تعرف أهدافها وتعرف كيف تحققها؟".
ووصف ريماوي كتيب عباس، بـ"خطوة تسيء للشعب والتعليم والوطن وحتى للرئيس كشخص، مطلوب إلغاء هكذا ارتجالات والاعتذار عنها".
كما كتب رامي زبيدة قائلا: "يا هل ترى كتيب قدوتنا رئيسنا الذي تنوي وزارة التربية والتعليم تدريسه لطلابنا سيتعلم منه طلابنا اقتباسات من وصف الشهيد بـ (القاتل) بعد أن ضحّى بروحه لنكمل الدرب ونكونَ أعزة كرماء؟ وهل سيتعلمون منه ان التنسيق الامني مع الاحتلال مقدس، وان رئيسهم يعيش تحت بساطير الاحتلال".
وفي السياق، قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس د. سامي أبو زهري: إن إلزام الطلبة في الضفة بدراسة كتاب عن مواقف عباس يمثل محاولة تضليل.
وأضاف أبو زهري في تغريدة عبر "تويتر"، أمس: "لأن من رسّخ ثقافة التعايش والتنسيق الأمني ورفض المقاومة وخنق غزة لا يمكن أن يكون قدوة لهذا الجيل".
يذكر أن "الحراك الشعبي الرافض للإجراءات الانتقامية ضد قطاع غزة" أطلق في فبراير الماضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وسم "#ارحل_يا_عباس".
ولوحظ وجود غضب عارم بين صفوف الفلسطينيين ضد عباس بسبب قطع رواتب الموظفين، واستمرار التنسيق الأمني، وتشديد الحصار على قطاع غزة وما تبع ذلك من منع الوقود والدواء.
وقال متحدث باسم الحراك الشعبي محمد الوادية أثناء مسيرات حاشدة بغزة تدعو لرحيل عباس: "13 عامًا وأكثر ذاق فيها شعبنا وشبابنا على وجه التحديد مرارة القهر والحرمان وانعدام الأمل. اعتلى فيها محمود عباس سدة السلطة بعد انتخابات وعد بأن تكون دورية كل 4 سنوات وألا تزيد مرات الترشح عن اثنتين".
وأضاف الوادية: "ها هو يواصل الدورة الرابعة دون أن يسمح بإجراء انتخابات الرئاسة؛ بل حلَّ المجلس التشريعي في إجراء غير دستوري ليعرقل الوسيلة الوحيدة لملء الفراغ القانوني في حال شغور الموقع".
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي عماد عواد، أن إصدار الكتيب من الوزارة في الضفة يأتي في إطار ترسيخ النهج الواحد، بمعنى فرض وتجسيد واقع معين يقوم على التملق وتمييز شخوص بعينها.
وقال عواد لصحيفة "فلسطين": "باعتقادي هذا العمل يأتي في إطار محاولة اقتناء صورة عامة تظهر أن الرؤية فلسطينية ضمن نهج واحد هو نهج الرئيس عباس، وهذا مخالف للحقيقة".
ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني يسير وفق منهاج مختلف، إلا أن هناك نهجا ثابتا هو نهج المقاومة الفلسطينية تتبناه غالبية كبيرة من الشعب.
وأضاف: "فرض مثل هذا الكتيب يأتي في إطار ترسيخ نهج على حساب آخر وهذا منافٍ للقيم الديمقراطية والليبرالية التي تدعي السلطة الفلسطينية أنها تقوم عليها".
وأكد ابو عواد أن الوزارة لن تنجح في فرض تدريس الكتيب، مستدركًا: "حتى وإن فرضته ستكون ردود الفعل السلبية عليها، أكبر من الإيجابية التي أرادت الوزارة الوصول اليها".