ما زالت الموجات الارتدادية لأيام القتال الأخير يتردد صدها في المنطقة، لا سيما داخل الكيان الصهيوني الغاشم. ومن هذه الموجات مهاجمة قادة الأحزاب لنتنياهو واتهامه بالفشل في إدارة الصراع مع حماس. ومنها أن تآكل الردع الصهيوني، وتراجعه وصل إلى الحضيض. ومنها قولهم إن حماس هي الجهة المقررة في القتال وفي وقف القتال. ومنها استقدام سفراء غربيين للاطلاع على الدمار الذي أصاب مستوطنات غلاف غزة. ومنها زعمهم أن ما جرى كان قتالا مع جيش منظم يملك أسلحة متطورة؟! ومنها أيضا تهديدهم غزة بحرب قادمة واسعة النطاق في أشهر الصيف، وأن الحرب باتت مسألة وقت؟! ومنها قولهم إن القتال الأخير عجّل في زمن الحرب القادمة.
غزة التي أصابها ما أصابها في أيام القتال من تدمير عشوائي للمباني السكنية تتابع بحذر كل ما يصدر عن العدو من تصريحات تعبر بشكل أو بآخر عن حجم الموجات الارتدادية التي تلت وقف القتال. حماس تعلم من خلال تقديراتها الخاصة أن العدو لم يحقق أهدافه من القتال الأخير، وأن مستوطنات الغلاف دفعت ثمن العدوان بشكل مباشر، ولو كانت هذه الجولة قبل الانتخابات لرسب نتنياهو فيها.
غزة في حاجة إلى تعميق التفاهمات الداخلية بين الفصائل المقاتلة، داخل الغرفة المشتركة وفي الميدان، لأن الأحداث القادمة لا تتحمل أن ينفرد فصيل، أو قائد ميداني في القرار، فالذئب يأكل من الغنم القاصية، ويد الله مع الجماعة، وغزة التي تضع ثقتها في المقاومة، ويتحمل سكانها ورجالها الخسائر الكبيرة لا ترضيهم الفرقة ولا التصرفات الفردية، وهم عندهم قبول لكل التضحيات عند اقتناعهم بالقرار الجماعي.
موجة القتال الأخيرة كانت موجات شرسة وقاسية على طرفي القتال، ولا نستطيع نسبة النصر لأحدهما، ولكن كلاهما دفع ضريبة باهظة، وكلاهما وجدا في التهدئة مخرجًا، وإذا كان القادم أوسع، فإن المقاومة بحاجة عاجلة لاستخلاص العبر من القتال الأخير، ومن ثمة الاتفاق على كلمة سواء، وعلى المقاومة وقادتها عدم الغفلة عن الجبهة الداخلية، وعن الأضرار التي لحقت بالمدنيين، وعن حاجة المتضررين للمساعدة العاجلة ثم الحقيقية.